فشل سلطة ما بعد الثورة.. لماذا؟

(1)

هذا السؤال طرحته الفيلسوفة الأمريكية الشهيرة «حنة إرندت» (من أصل ألمانى)، فى كتابها المرجعى «فى الثورة» (1963). أما عن سبب ذلك فتحيله إلى: «نسيان السلطة مطالب الثورة وعدم قدرتها على بلورة تكوين مؤسسى يكون له من الفاعلية والكفاءة ما يمكنه من تحقيق هذه المطالب». الأكثر من ذلك، هو أن السلطة حتى تتمكن من أن تتحكم فى الأمور تجد نفسها تقرر كل ما يتناقض مع مطالب الثورة التى أتت بها.

(2)

لنأخذ مطالب 25 يناير مثالاً على ما سبق، فلقد تلخصت فى 3 مطالب هى: «الحرية» و«العدالة الاجتماعية» و«الكرامة الإنسانية». كان من المفترض أن تأتى السلطة الجديدة لتعمل «بالروحية الثورية» لهذه المطالب وتعمل على «تقنينها ومأسستها». ذلك بتشريعات تتيح حرية التظاهر والتنظيم والتعبير وتداول المعلومات، والمنع التام للقمع الأمنى واحترام إنسانية المواطن المصرى وتعويضه عن عقود ممتدة من الإهانات «وقلة القيمة». وبالأخير تحقيق العدالة له من خلال حزمة من التشريعات والقوانين المعلقة على مدى أنظمة سياسية متعاقبة من عينة قانون التأمين الصحى، وقوانين عمل تؤمِّن قدراً من العدالة فى ظل أنظمة اقتصادية انحازت إلى اقتصاد السوق. على النقيض بالتمام، وجدنا السلطة السياسية وقد أعطت الأولوية للتشريع لقوانين مقيدة للحريات وحصار التظاهر وتطويق الإشهار. كذلك إجراءات اقتصادية تدفع تكلفتها الطبقات الاقتصادية الوسطى والدنيا واتباع نهج اقتصادى ما هو إلا استمرار للنهج الذى ثار المواطنون ضده فى 25 يناير. وأخيراً إطلاق العنان للآلة الأمنية للتعامل مع حركات المواطنين فى ربوع مصر بصورة بشعة غير مسبوقة.

(3)

هكذا سارت السلطة السياسية فى مسار أدى فى واقع الأمر إلى ما يعرف فى أدبيات الثورة «بكارثة الرعب»، خاصة مع كل قطرة دماء تسيل من أجل تصحيح المسار الإجبارى «اللاثورى» الذى سارت فيه السلطة، فكل تحرك يحاول أن ينبه بأننا مقدمون على وضع يتناقض مع ما ثرنا من أجله، يقابل «علنا أو سراً بمقاومة حادة مع حقوق المواطنين». فلقد صار كل من ينبه أن الإجراءات الاقتصادية أو السياسية لا تلبى مطالب الثورة من: حرية، وعدل اجتماعى، وكرامة إنسانية، يصنف على أنه من أعداء الثورة (أو من أتباع الثورة المضادة) تارة، والأخطر اتهام هؤلاء الذين يحرصون على تحقيق مطالب 25 يناير بأنهم معادون للمشروع الإسلامى. ومن هنا تنشأ المفارقة فالسلطة التى جاءت بشرعية 25 يناير وتفشل فى تحقيق مطالبها تتهم من ينبهها إلى ذلك بأنهم الثورة المضادة. ويتم تحويل النظر عما وصفناه بالمسألة الاقتصادية ـ الاجتماعية (راجع مقالنا السابق) التى هى لب الموضوع، إلى مساحات أخرى حول الصراع الدينى العلمانى، أو الليبرالى الإسلامى.

(4)

إن التحرك القاعدى للمصريين الذى تشهده البلاد دفاعاً عن حقوقهم يتجاوز المسألة الثقافية ـ الدينية، إلى ما هو اقتصادى ـ اجتماعى، فالسلطة السياسية (أى سلطة)، إذا لم تلتزم بتحقيق التقدم للمصريين ـ كل المصريين ـ فإنها ستواجه بمقاومة متنوعة حتى يتحقق التقدم، مهما طال الزمن، ولنا فى الخبرة الإنسانية التاريخية أسوة فى ذلك.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern