الحالة الثورية

فى يناير 2012 ، كتبنا سلسلة مقالات بعنوان «بين ينايرين» (4 مقالات). فى الحلقة الأولى طرحنا سؤالا نصه: «هل 25 يناير حراك عابر أم انطلاقة ممتدة؟». وتبنينا مقولة مفادها أن ما جرى فى مصر يمثل نقطة تحول، وأن ثمة انعطافا يشبه الزلزال لن يبقى أحد بمنأى عن آثاره، واستشهدنا بالعنوان الذى لخص مجموعة تحليلات علمية سياسية تتفق على أن «ثورة مصر لم تنته بعد Egypt’s Unfinished Revolution».. وعليه فإنها أكثر من حراك عابر، إنها انطلاقة بدأت لتستمر.

لكن هل هناك ثورة تظل مستمرة وخلاص؟

هنا لابد من العودة للتفسير اللينينى (نسبة للينين)، الذى يقول إنه لا ثورة ما لم تكن هناك حالة ثورية. أى أنه طالما بقيت الأحوال على ما هى عليه خلق هذا حالة ثورية تدفع إلى الثورة. لكن ما هى الأحوال المنشئة للحالة الثورية؟

تنشأ الحالة الثورية، عندما تصر السلطة الحاكمة على أن تحكم دون تغيير، أو أن تقبل بحدوث التغيير، لكن يرى المواطنون أنه شكلى وغير جذرى، أو تكرر السلطة الحاكمة ممارسات تم رفضها من خلال الحراك الثورى. كذلك طالما استمرت المعاناة وظل الإحساس بالظلم حاضرا لدى الكثير من قطاعات المجتمع. ما سبق تستمر الثورة أو النضال من أجله.

فى هذا السياق، لا يمكن أن تعطى السلطة الحق لنفسها فى تحديد انتهاء الثورة لأنها نفذت بعض الأمور الإجرائية التى تستوجبها عملية الانتقال السياسى من صناعة دستور أو انتخابات أو عمليات إحلال واستبدال فى الدولة، فالمعيار لإنهاء الحالة الثورية أن تؤتى الثورة ثمارها من خلال قرارات وممارسات تعبر بحق عن تحول حقيقى وجذرى قد جرى وانتقل بالبلاد من حالة إلى حالة. حالة تحمل جديدا فى الرؤية والأفكار والسياسات والبنى والممارسات، جديدا يحمل العدالة بأبعادها ومستوياتها للجميع دون تمييز.

وتعكس النظرة العامة للمشهد السياسى الراهن أن الحراك الثورى سيظل مستمرا طالما بقيت الحالة الثورية بعناصرها المتنوعة قائمة. فلقد مارست السلطة المنتخبة سلوكا فاقم من الحالة الثورية، تجسد فى كل العناصر التى أشرنا إليها سابقا. بالإضافة إلى اتباع السلطة ما أطلقت عليه سياسة «القبة الحديدية» لتحصين نفسها، وحصار الحالة الثورية والحيلولة دون الثورة. وتكونت عناصر هذه السياسة من: «صناعة دستور الغلبة»، و«تأسيس شرعية الإكراه»، واستخدام «سلطة العنف»، فى ظل جولات حوارية بدأت بـ«فيرمونت»، مرورا بالحوار مع مرشحى الرئاسة ثم القوى الوطنية والمجتمع المدنى إلى لجنة الحوار الوطنى، التى تبين كلها أنها لم تكن إلا مظلة لتبرير/ تمرير سياسة القبة الحديدية التى هى فى الواقع الغطاء الحامى لمشروع جماعة بعينها يهدف إلى تغيير طبيعة الدولة المصرية المستقرة، مشروع لا يحقق العدالة بكل أنواعها لكل المواطنين، ولا يدرك طبيعة مصر المركب الحضارى متعدد العناصر، ما أدى إلى استقطاب حاد. والنتيجة تجدد الحالة الثورية، ومسار ثورى «إجبارى»، نسير فيه مهما كان طويلا.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern