سلطان الشعب

(1)

تحدثنا فى الأسبوع الماضى عن «شرعية الإكراه» التى تم الدفع بها تحت مظلة «دستور الغلبة» من أجل تحقيق «الاستئثار» لحساب جماعة/فئة فى مواجهة الوطن. والسؤال: هل هذا هو ما ناضل من أجله شباب التحرير فى 25 يناير 2011؟ حاولت أن أراجع شهادات شباب التحرير التى أدلوا بها فى سياقات ومناسبات مختلفة. وأعجبنى، من ضمن ما أعجبنى، ما جاء فى كتاب «مذكرات التحرير» الذى صدر فى الذكرى السنوية الأولى لـ25 يناير، وضم ست شهادات، قدم لها حسام الحملاوى المدون المعروف. والكتاب عبارة عن يوميات الشباب فى التحرير خلال الفترة من 25 يناير حتى 11 فبراير.

(2)

ميلاد «سلطان الشعب»، هى العبارة المفتاحية للكتاب، والتى استوقفتنى والعبقرية فى آن واحد. وهى التى وردت فى شهادة «أميرة صلاح أحمد». ففى وصفها ليومى 26 و27 يناير ـ ومن منظور محررة اقتصادية ـ تابعت ما كان يجرى فى القطاع المصرفى فى ضوء التفاعلات الجارية فى الميدان. وكيف اتخذ القرار بقطع الاتصالات لمنع التواصل بين الشباب الذين كانوا يؤسسون لتاريخ جديد. «ولكن بدلا من شل حركة الشعب» تقول أميرة، «عجلت سلسلة القرارات الغبية بسقوط النظام؛ انفجار صامت حطم حاجز الخوف الأخير»… «لحظات الخوف والشك والترقب وما إلى ذلك، تغلبت عليها أخيرا مشاعر الحماس والأمل والتحدى والثقة، وإيمان قوى بأن التغيير القادم يعنى سقوط النظام»… لا يمكن التراجع الآن. عند النقطة الحاسمة أراد الشعب أن يغير الواقع، وسيتغير الواقع»… وكان هذا آخر شىء أرسلته أميرة على «تويتر» قبل قطع الاتصالات والإنترنت.

(3)

مع هذا الانقطاع، تقول أميرة: «زاد انعزالنا عن العالم الخارجى شيئا فشيئا. فأصبحنا وحدنا تماما، لا نملك غير بعضنا البعض. ومن لحظات الوحدة تلك تمخضت أكثر الأيام التى عرفناها اتحادا وقوة فى تاريخ مصر. لم أشعر من قبل بهذا الارتباط بملايين الناس غيرى رغم العزلة المفروضة علينا. وهكذا ولد سلطان الشعب».

(4)

سلطان الشعب، هو بالحقيقة مانح الشرعية. شرعية «الخير العام»، والصالح العام» الذى يصب لصالح الجميع دون تمييز. سلطان الشعب الذى انتفض فى مواجهة شبكة الامتيازات المغلقة / القلة الثروية وسياساتها غير العادلة. وترصد لنا أميرة كيف أن هذه الشبكة مع انطلاق حراك 25 يناير ـ وقبل انتصارها فى إسقاط رأس السلطة ـ قد بدأت تنقل ثروات مصر إلى خارجها. وأظن أن «سلطان الشعب» هو القادر أيضا على أن يواجه الجماعة الدينية المغلقة التى تحاول أن تفرض مشروعها الخاص بالغلبة والإكراه على حساب الوطن المصرى.

الخلاصة، أن ما تتم محاولة صبغه بالشرعية يعد مناقضاً بالتمام لشرعية «سلطان الشعب»… إنها سلطة «من غلب» وهى عنوان لقصة طويلة تعود للعصور الوسطى سوف نذكرها لاحقاً.

(5)

سلطان الشعب أو حكم المواطنين.. وُلد بالحقيقة.. ويتأهب للجولة التالية من المعركة.. ولن ينفع ما كان يحدث على مر العصور ـ قبل الدولة الحديثة أو بعدها ـ فى احتواء ثورات المصريين سواء بالخيانة أو بالاستبداد السياسى أو الدينى أو بالإفساد.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern