دفاعا عن الدولة الوطنية الحديثة

(1)

فى ظنى لم يعد من الممكن لأى سلطة حاكمة أن تتحكم فى مسار التاريخ. فما يعرف بهندسة المجتمعات أو سياسات التحكم القسرى فى إدارة مصائر الشعوب أصبحت تنتمى إلى العالم القديم أكثر من العالم الجديد. فى هذا السياق، نذكر كيف أن التدخل فى هندسة البنية السياسية التى مارسها الحزب الحاكم فى انتخابات 2010 وذلك بتحديد من يدخل إلى البرلمان ومن لا يدخل، وكأن السياسة مثل الهندسة يتم تخطيطها بالقلم والمسطرة

(راجع مقالنا فى نوفمبر 2010)، قد أدى إلى ارتفاع الاحتقان السياسى إلى درجة الحمى المصحوبة بفوران اقتصادى/ اجتماعى، الأمر الذى أدى إلى ما جرى فى 25 يناير، ووصفناه مبكرا «الموجة الأولى من الحراك الشبابى الشعبى» بتوابعها، (كتبنا هذا التعبير فى فبراير 2011)، خاصة مع استنفاد كل الممارسات النمطية فى استيعاب الأوضاع.

(2)

وبدلاً من تقدير مطالب المصريين البسيطة / العميقة من «كرامة وحرية وعدالة» وجدنا أنفسنا نستعيد نفس الممارسات القديمة والتى أدت – بامتياز – إلى حالة انسداد أخطر من التى جرت فى 2010. إلا أن الانسداد الذى جرى – آنذاك – أدى إلى توحد المصريين فى مواجهة السلطة القائمة. أما الممارسات الحالية فقد أدت إلى انقسام المصريين إلى «فسطاطين».

(3)

كان من المفترض لسلطة ما بعد 25 يناير، أن تتبنى روحية وذهنية جديدة تؤسس لجمهورية ثانية ولمصر جديدة – كتبنا عن ملامحها أكثر من مرة – إلا أنها استعادت القديم بإعلانات دستورية – منعدمة – بأسماء عدة: المكمل، والملغى، والجديد، والمفسر… إلخ، صبت كلها فى إعاقة التحول الديمقراطى، ما أدى مباشرة إلى الدم وأصبح الوضع استمراراً للجمهورية الأولى وإن كان بتجلٍ مختلف.

(4)

ويبدو أن السلطة لم تقرأ الخريطة الانتخابية الرئاسية التى عكست تشكل كتلة جديدة على المستويات الاقتصادية والجيلية والحضرية لا ترى تناقضا بين الانتماءين الوطنى والدينى وتعد حارسة لمقومات الدولة الحديثة فى مصر. هذه الكتلة هى التى واجهت الحزمة الاحترازية التى قررتها السلطة تحت لافتة الاستقرار وتأمين الثورة. مكونات هذه الحزمة (التى أتت فى اليوم التالى من توقيع هدنة غزة) ما يلى: إعلان دستورى مقيد للسلطات، ونص دستورى لا توافقى أطلقنا عليه مبكرا «دستور الغلبة» يؤسس لدولة دينية – ربما إقليمية – وقانون يحمى الثورة بجهاز قضائى مواز لما هو قائم، وتحرش بسلطة من سلطات الدولة والتى تعد أحد أهم مقومات الدولة الحديثة وهى السلطة القضائية. ثم الدخول فى مساومات – غير دستورية / شرعية – باستصدار إعلان دستورى بديل. وهو ما رفضه الكثيرون من أهل مصر. وبات واضحاً أن هناك محاولة لإعادة إنتاج نفس علاقات القوى القديمة مرة أخرى ولكن بتجل دينى… وعليه يتم الإيحاء بأن الصراع هو بين الدينيين والمدنيين… بالرغم من أنه بين فئة بعينها والآخرين.

وهو ما بات مدركا وسيتم رفضه ولن يتم منحه الشرعية.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern