لقد قتلونى بدمٍ بارد بأسلوب الغادر الخائن.. لذا أشعُر بالمرارة ومن قتلونى طلقاء.. وأمى وإخوتى يبكون ليل نهار ولم يلقوا إلا الجفاء.. لذا أحذركم من غضبة الرحمن
(1) هذه الكلمات وردت فى رسالة رثاء وتأبين كتبها الشيخ الأستاذ الدكتور مصطفى راشد، أستاذ الشريعة الإسلامية، فى ذكرى مذبحة ماسبيرو. وجدت الرسالة فى بريدى الإلكترونى وقرأتها عدة مرات وهزتنى جداً ليس لأن كاتبها أستاذ شريعة، ولكن للروحية المكتوبة بها التى تعبر عن روح وطنية عميقة وفهم لطبيعة ما جرى لشهداء ماسبيرو، وكان بمثابة «بروفة جنرال» لعدة مواقع تالية: محمد محمود ومجلس الوزراء… إلخ.
(2) لقد توحد الشيخ مصطفى مع شهداء ماسبيرو وكتب الرسالة على لسان أحد الشهداء موجهاً إياها إلى الضمير الإنسانى الحى قائلا: إلى كل صاحب ضمير إنسانى حى.. أنا شهيد ماسبيرو.. أرسل لكم وأنا فى أحضان الرحمن.. سؤالاً حيرنى.. لماذا قتلونى بلا رحمة أو إحساس.. وقد كنت أنتظرُ منكم الحماية لا النهاية
(3) لم تفرق مقاومة الاستبداد بين مصرى وآخر. فالباحث عن الحقوق لابد له من أن يتحرك من أجل أن يحصل عليها. ولابد له أن يتوقع أنه سيلقى مقاومة أهل المصالح. كان شباب ماسبيرو طليعة بهذا المعنى وكأنهم استلهموا روح أجدادهم فى الفترة الأخيرة من الحكم الطولونى حيث نتيجة التراجع الاقتصادى وقهر المصريين أصبحت الثورة تعم الكثير من الدلتا (بداية من 767م). فيما عرف بثورة البشامرة. حيث انطلق الأقباط أولاً فى ثورتهم وتبعهم المسلمون وتوحدوا معاً فى مواجهة الظلم والاستبداد. وهكذا انتفض (ثار) أهل مصر جميعاً: «قبطها ومسلموها وعربها» بحسب المقريزى. ثاروا على الظلم والقهر. ظلم أساسه عوامل مركبة جديرة بالدراسة تفسر كيف يتم تجاوز الخلاف الدينى والقومى بين البشر لمواجهة المُستبد والمُستغل أياً من كان.
(4) ها هو التاريخ يعيد نفسه، ويجسد مينا دانيال والشيخ عماد عفت نفس الموقف فى مواجهة الآلة الوحشية العمياء، التى تمارس القتل العمد. وأظن أنه قد آن لنا أن ندرك ما وراء العنف وأسبابه التى لا تفرق بين مصرى وآخر. ولنا فى التاريخ أسوة. فكلما اشتد الحال ثار الناس «وخلعوا الطاعة لسوء سيرة السلطان» بحسب المقريزى.. وهو ما استدعى حضور المأمون بنفسه لقمع الثورة البشمورية، حيث، وبحسب- نعمات أحمد فؤاد- «قسا فيها المأمون على مصر والمصريين بما لا تغفره له مدنية الإنسان».
(5) ويبدو لى أن المشهد يكاد يتطابق بين شهداء التاريخ وشهداء الحاضر… وكأن أهلنا اليوم يحافظون على درس تاريخى وتقليد ورثوه من الآباء والأجداد من قبلهم فى مواجهة العتاة نصه:
«اعلموا أننا لم- ولن نسلم أبداً أنفسنا لكم، لا فى أيام والدكم ولا فى أيامكم. وحيث إننا نقوم بما هو مطلوب منا، فلا نحنى أنفسنا أمام أحد» ولن.
ونستطرد أن الجناية لا، ولن تسقط بالتقادم.