«أنتم فى الظلام تنتظرون الفجر، والشمس فى كبد السماء خارج الكهف»..
(1) هذه العبارة العبقرية قالها أديبنا المؤسس توفيق الحكيم فى عمله «أهل الكهف»، على لسان الراعى لقاطنى الكهف. ودائما أجدها تحوم من حولى بصورة أقرب إلى طنين النحل عندما أجد كلاما لا يمت للواقع بصلة أو بالعالم الجديد بأفكاره وتقنياته التى تفرض نظما – دائمة التغيير – من التفكير والسلوك. هؤلاء هم ساكنو الكهوف، الذين يظنون أنهم يملكون الحقيقة والمعرفة معا.
وبسبب الظلام الدامس باتوا يألفون الظلام.. ما يعنى بقاء كل شىء على حاله. إن حياة الكهوف تفرض على قاطنيها ثقافة استغنائية وانكفائية تميل إلى السكون والعزلة والانتظار.. لا تعرف الابتكار ولا التراكم ولا المبادرة ولا الاقتحام.. فهم لا يدركون أن الشمس خارج الكهف تضىء الدنيا كلها.. تدفع البشر إلى الحركة والانطلاق والتجديد.
(2) فى يومين متتاليين يسمع المرء كلاماً لعدد من ساكنى الكهوف تعكس مدى المحنة التى نعيشها عندما يحاول هؤلاء أن يفرضوا علينا معارك هى ذاتها معارك الماضى لكن مع اختلاف المواقع، أو يفرضوا معايير لإدارة الشؤون العامة بنفس المنهجية التى أوصلتنا لما نحن فيه، ولا يمنع أن يكون ذلك مع استخدام بعض الأشكال الحداثية التى توحى بأن هناك جديدا. ويساهم فى تعميق هذه الظاهرة وقوع من فى السلطة فى استخدام نفس «المانيوال» الذى كانت تستخدمه السلطة نحوها. الهجوم على اليسار مثلا يذكرنى بنفس الحملة الشرسة التى كانت تطلقها جريدة قومية فى وقت من الأوقات نهاية السبعينيات من القرن الفائت «لاحظ عزيزى القارئ القرن الفائت».
وهكذا وكأن الشمس لم تطلع.. لم يدفع أحد ثمن إحداث التغيير
(3) ولم يدهشنى حديث أحد القانونيين حول كتابة الدستور فى أنه يميل إلى أن يكتبه فقهاء القانون الدستورى، وكيف لمح إلى أنه فى أحد البلدان المستقلة حديثا فإن من كتب الدستور لهذه الدولة أحد فقهاء مصر البارزين وبات مرجعاً. قد يكون هذا صحيحا ولكن دستور بلد مستقل حديثا لم تقم فيه ثورة ضد الاحتلال أو نضال وطنى، ولم يعرف ما يُعرف بالحركة الدستورية ومحاولات كتابة دستورية ذات طابع نضالى هو أمر مختلف تماما. وكان أستاذنا وليم سليمان قلادة يفرق لنا بين «الدستور البرنامج» و«الدستور الحركة». يضاف إلى ما سبق «وهو ما فصلناه على مدى سبع حلقات تحت عنوان (دستوريات)، فى هذا المكان» كيف أن الموجة الجديدة من الكتابة الدستورية تختلف جذريا عما هو شائع، وهو أمر يصعب معه تقديم أى مساهمة.
(4) أذكر أيضا كيف طرحت هذه الفكرة على مجموعة من الشباب أسست جماعة تدعى «العيش والملح» قبل 25 يناير بثلاثة شهور فى لقاء بساقية الصاوى. لقد كانت هذه المجموعة معنية باللقاء الحى بين المسلمين والأقباط من خلال دعم العيش المشترك بينهم، من خلال أعمال وجهود مجتمعية مشتركة. وقلت لهم تحرروا من ثقافة الكهف وانطلقوا إلى المستقبل وتجاوزوا الماضى بتوتراته وحساباته ومصالحه الضيقة. وجاءت 25 يناير «الثورة الرقيقة» أو «الناعمة».. كتعبير عن هذا الخروج المحمود، ولكن هناك من يشدنا إلى الكهف مرة أخرى.. وهو ما نتحدث عنه لاحقا.