الثورة المضادة: طبيعتها ودوافعها

لكل ثورة هناك من يقاومها، ويعوقها عن إنجاز ما قامت من أجله، هذه المقاومة تصفها أدبيات العلوم السياسية بالثورة المضادة، إنها قصة الصراع بين جديد يحاول أن يتشكل احتجاجا على قديم فاشل، وبين قديم يقاوم من أجل الاستمرار بالرغم من فشله.. لماذا يقوم هذا الصراع؟ وما دوافعه؟ وما مدى انتباهنا إلى ما يجرى؟

(1)

تشير كل التجارب التاريخية لدول اختبرت الثورات، إلى أن قيامها كانت تستتبعه ثورات مضادة، حدث هذا فى أوروبا القرن التاسع عشر عندما عرفت القارة الأوروبية موجات ثورية متتالية فى كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبولندا والنمسا.. إلخ.

فعلى الرغم من اختلاف السياق فى كل حالة فإن الثابت أنه ما إن تقم ثورة أو حراك ثورى فى دولة من هذه الدول حتى نجد قوى اجتماعية تعمل على إعاقة التغيير بشتى الطرق، فإذا أخذنا فرنسا نموذجاً سوف نجد كيف قامت الطبقة العاملة هناك بالعديد من الانتفاضات الثورية من أجل حقوقها المتنوعة فما كان من طبقتى الرأسمالية الملكية وصغار التجار إلا أن تحالفتا معاً ضد الطبقة العاملة لحصار تحركاتها ومن ثم إفشال ثورتها. وفى إيطاليا قامت الطبقة الوسطى فى منتصف القرن التاسع عشر بالتحرك من أجل تحسين أحوالها المعيشية وكانت تتكون بالأساس من صغار التجار والفقراء، وفى مواجهة ثورة الطبقة الوسطى تحالفت الطبقات الرأسمالية مع الجهاز البيروقراطى لضربها. هكذا كان الحال فى كل ربوع أوروبا.

(2)

لم تكن ظاهرة الثورة المضادة، ظاهرة أوروبية، وإنما وجدناها تتكرر فى بلدان العالم التى عرفت شعوبها الثورة. فعلى سبيل المثال نذكر المثال الأشهر والكلاسيكى الذى حدث فى تشيلى عندما نجح اليسار مطلع السبعينيات فى الوصول إلى الحكم من خلال انتخابات ديمقراطية بقيادة سلفادور الليندى، لكن سرعان ما تحالفت معاً قوى الثورة المضادة التى تكونت من الشركات المتعددة الجنسية ورجال الدين وطبقة الوكلاء والسماسرة بقيادة بينوشيه، وانقضوا على الحكم. كما حدث هذا فى مصر عندما انقلب السادات على دولة يوليو بتجليها الناصرى الذى كان نموذجا – نسبياً – لرأسمالية الدولة التى تديرها البيروقراطية والتكنوقراط. وهو الانقلاب الذى أدى إلى التراجع عن إنجازات التجلى الأول لدولة يوليو وذلك بالاعتماد على رأسمالية المقاولات والسمسرة والتوكيلات، والاعتماد على البرجوازية الريفية تحت مظلة شعارات كبير العائلة وأخلاق القرية، وهو ما يمثل عودة إلى ما قبل الدولة الحديثة وانقلابا عليها حيث مصر تتكون من مجموعة من الملل والجماعات الأولية. هذا بالإضافة إلى التحالف مع التيار الدينى فى أكثر توجهاته محافظة.

(3)

مما سبق نقول إنه كما أن لكل فعل رد فعل، فكل ثورة معرضة لثورة مضادة. فالثورة تحمل فى ثناياها الحلم بميلاد جديد على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، من حيث القيم والأفكار والعلاقات والأدوات. إنها نقلة من حالة أدنى إلى حالة أفضل. إلا أن القوى القديمة التى قامت الثورة ضدها لا تعترف بضرورة التغيير وتعمل على بقاء الأمر على ما هو عليه.. ولهذا تتحالف القوى المناوئة للثورة بفجاجة وفظاظة وإجرام لوأد الثورة لدرجة الخطف والاغتيال الجماعى. حدث هذا فى التاريخ ولايزال.

وحول هذا الصراع، وهو صراع جدى ومعقد وليس بسيطا نجد الكثير من المفكرين يسجلون بدقة متناهية تشابكاته فى إبداعات معتبرة منها: «ألمانيا: الثورة والثورة المضادة» لفريدريك إنجلز، «الثورة والثورة المضادة» لهربرت ماركيوز، و«فى الثورة» لحنة أرندت، و«أقنعة الناصرية السبعة» للويس عوض، «والثورة المضادة فى مصر» لغالى شكرى.

(4)

الحراك الثورى فى 25 يناير كان عموده الفقرى الطبقة الوسطى، وضرب تحركه «الجناح الفاسد فى الدولة» أو أصوليى السوق «الاحتكاريين»، الذين فككوا الاقتصاد الوطنى بقطاعاته الحداثية الصناعية والزراعية وحولوه إلى اقتصاد ريعى لحساب قلة، إنهم الليبراليون الجدد، تحت مظلة ثقافة محافظة «راجع مركب إعاقة التغيير فى كتابنا «المواطنة والتغيير» 2006.. إنها شبكة الامتيازات المغلقة – بحسب تقرير البنك الدولى – شمال أفريقيا – 2010، الذى أشرنا له أكثر من مرة وفى أكثر من مكان. إن المهمة المطلوبة هى إدراك عناصر هذا المركب – الشبكة وكيف يشكلون تحالفهم الجديد لإطلاق ثورتهم المضادة.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern