هذا المقال كُتب فى الثانى من فبراير الماضى وأستعيده كاملا، وأضيف أنه من الأهمية الحديث عن شبكة الامتيازات المغلقة التى تصارع من أجل البقاء، والتى أظنها الطرف المسؤول عما نحن فيه وهو ما يحتاج إلى تفصيل لاحق.. بدأنا المقال بقول لأحد الشباب يعبر عن نفسه أمام رئيس الوزراء قبل 25 يناير.
«أشعر بالفساد فى كل مكان وبقيت أتنفسه ومش حاسس بمقاومة من جانب الحكومة.. كل يوم الصبح أحس بالغربة، وإن البلد مش بلدى.. ليه المواطن يشعر إن كرامته بره أو جوه مش موجودة، وهل بكيت سيادتك عند غرق العبارة والجنود اللى بيموتوا على الحدود».
(1) هذه الكلمات قالها الشاب عبدالله أحمد بظاظو، ونشرتها «المصرى اليوم» فى أغسطس من سنة 2009، نطق بها فى حوار شبابى مع رئيس الحكومة آنذاك، وعلقنا عليها فى مقالنا «الشاب الفصيح» (11/8/2009). وحذرنا ونبهنا وقلنا إن ما قاله الشاب يعبر عن مدى «الاحتجاج على الواقع والأسى لما وصل إليه حال المصرى فى بلده، وإنه يعكس هماً وحزناً وإحباطاً كيانياً، ومقاومة من الحكومة.. قد يرى البعض أن الشاب قد بالغ فى كلامه.. وقد يرى البعض الآخر أن هذه الكلمات أقل من الواقع بكثير.. بالطبع سوف يختلف رد الفعل بحسب موقع كل واحد منا.. بيد أن الثابت هو أن كلمات عبدالله قد حظيت من الشباب الذى شارك فى اللقاء بالتصفيق لمدة خمس دقائق متواصلة، وأنها هزت الوجدان والعقل..» وهو ما لم نعره اهتماما.
(2) لم نُعر «الشاب الفصيح» أى اهتمام، كما لم ننتبه أن الشباب باتوا يمثلون غالبية قوام المجتمع المصرى (حيث 80% من سكان مصر عمرهم أقل من 40 سنة، أى ما يقرب من 65 مليون نسمة، ونصفهم يقع فى الفترة العمرية من سن صفر إلى 15)، وأنهم «كتلة شبابية ضخمة طالعة» (إذا استعرنا عنوان مسرحية المبدع نعمان عاشور «الجيل الطالع») يحتاجون منا إلى إدراك أنهم ينتمون إلى زمن مغاير، لديهم ثقافتهم ولغتهم وهمومهم وطموحاتهم التى تختلف جذريا عن الأجيال السابقة.. إن من حقهم أن يبحثوا عن التكوين الذى يريدون بالطريقة التى يرونها.
■ إنه «الانقطاع الجيلى» أردنا أم لم نرد.
(3) شباب تغيرت طرق تعبيرهم، وبخاصة فى مواجهة السلطة بأنواعها: السياسية، والدينية، والمعرفية… إلخ. فكل الاعتبارات والحواجز تزول مع اختلاف طرق التفكير والسلوك بين الأجيال. كذا تقل سلطة المرجعيات التقليدية: الأسرة، المؤسسة الدينية، المؤسسة التعليمية، بفعل الفجوة المتزايدة بين الشباب وهذه المرجعيات. فجوة من نتيجتها ألا تكون هذه المرجعيات قادرة على فهم أو اللحاق بالشباب لأسباب كثيرة ومعقدة. لذا سيكون الاحتجاج حاضراً وبقوة ـ دوماً ـ وله الأولوية، بطرق عدة تقليدية وتكنولوجية متقدمة، وأنهم سيخلقون مرجعيات مغايرة، وذلك بفعل تقنيات الاتصال المتقدمة وقدرتهم على التفاعل معها.
■ إنه «فك الارتباط بالمرجعيات التقليدية وخلق عوالم مستقلة جديدة وغير تقليدية».
(4) إن ما قاله «بظاظو»، والتحولات التى جرت للكتلة الشبابية الطالعة من انقطاع جيلى وفك ارتباط بالمرجعيات التقليدية، فى سياق واقع مجتمعى مأزوم لاعتبارات كثيرة لعل من أبرزها: «الاستثمار للقلة»، و«الإفقار للأغلبية» والأخذ بسياسات الليبرالية الجديدة التى طالما حذرنا من آثارها المدمرة – وجدناه يصبح محورا للغضب وهدفا للتغيير للكتلة الشبابية بنوعيها «المرتاح» و«التعبان/ المهمش».
■ «المرتاحون» من الشباب الذين يرون أن مصر تستحق أكثر مما هى عليه.
■ و«المهمشون» من الشباب الذين يطلبون حياة كريمة فى وطنهم.
(فاصل)
وأنا أستعد لكتابة الفقرة الخامسة اتصل بى أحد المشاركين فى المظاهرة من قلب ميدان التحرير قلقاً من مناورات البعض من السياسيين….
(5) وواقع الحال، أن ما جرى يؤكد ما حاولنا قوله قبل الفاصل.. إننا فى لحظة فارقة، يتقدم المشهد فيها كتلة جيلية تعبر عن مصر الشابة/ مصر المستقبل.. لديها رؤى وتصورات مغايرة لجيل الكبار الذى بات أقلية عدداً على الأقل.. لذا سنرى من يحاول من جيل السياسيين التقليديين ممارسة المناورة، أو من التيارات الأيديولوجية لاختطاف براءة الشباب، أو القيادات التقليدية لتكريس الانتماء للجماعات الأولية على حساب المواطنة التى هى جوهر الدولة الحديثة.
سوف يظل الجدل: هل التغيير يكون بالمزيد من وضع الرقع الجديدة على الثوب أم بتغيير الثوب؟
تعليق
طرحنا هذه الكلمات فى فبراير الماضى مع مطلع انطلاق الموجة الأولى من الحراك الثورى.
هل وضح المشهد وفُهمت الرسالة؟