«السيوف والسنج» تواجه «السوفت وير»

اتفق الجميع من كل الاتجاهات على أن يوم 25 يناير هو يوم فاصل بين زمنين/ مرحلتين. فلقد كشفت الأيام الماضية عن أن مصر الشابة قد رفضت أن «تستكين» أو «تلين» أو «ترضخ» لسياسات لا تخدم إلا «القلة الثروية» كما كنا نشير دوما.. قلة ثروية روجت أنها تُحدِّث مصر.. ولكنه لم يكن كذلك وسرعان ما كشفت عن وجه آخر مختلف تماما مع الحراك الشبابى/ الشعبى..

لقد اعتمدت الحركة الشبابية فى حركتها على الاستفادة القصوى من «المجال الرقمى» بتجلياته المتنوعة: الشبكة العنكبوتية، وتقنيات التواصل الاجتماعى كـ«الفيس بوك»، و«التويتر»، و«اليوتيوب»، إلخ، بالإضافة إلى تقنيات التواصل اليدوية التى يوفرها المحمول وأجياله المتعاقبة. وعليه، يمكن القول إن هناك زمنا جديدا قد ولد يمكن أن نعرفه بـ«الزمن الرقمى» من أهم سماته أنه مطرد التجدد.

كما أن من ميزاته أنه يتيح تمكين كل من يبدى رغبة «أن يكون له نصيب فى هذه الثورة وأن ينتمى إلى جيلها دون أن يمر بالمؤسسات الرسمية».. وعليه، فلقد استطاعت أن تحقق هذه الثورة قدرا من المساواة بين الجميع بغض النظر عن المكانة أو الثروة.. إلخ، حيث ساوت بين من يملك ومن لا يملك.. ولذا، ظهر مصطلح جديد فى أدبيات المواطنة يعرف:

بـ«المواطن الرقمى» Digital Citizen، وفى كتابات أخرى «مواطن الشبكة» Netizen نسبة لشبكة الإنترنت.

من أهم ملامح تكوين هذا المواطن يمكن رصد خمسة ملامح رئيسية وذلك كما يلى: (1) أن المواطن الرقمى يمتلك سلطة دون تكليف من أحد، فهو قادر على أن يتواصل مع الأحداث الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تحدث فى أى مكان فى العالم يتأملها ويدرسها ويتعلم منها ويوظفها. (2) كما بات هذا المواطن يشكل علاقاته دون مراجعة من أحد. (3) كذلك تتيح له التقنية الرقمية أن يكون دائم الاكتشاف والتجريب والبحث الدائم. (4) وأخيرا، توفر التقنية الرقمية أمام هذا المواطن آفاقا من الحرية ربما لا تتاح أمامه فى الواقع وهو ما يدفعه إلى الانخراط دون قيود فيما يحقق له ما يريد. (5) وأخيرا، يفتح المجال الرقمى أمام مواطنيه التواصل دون حدود أو قيود ويوحد بينهم، أو العكس، فيما يرونه فى الواقع الحقيقى.

لقد كان المجال الرقمى فى مرحلة من المراحل، مَنفذاً للشباب يلوذون به، عوضا عن الانسداد السياسى والمدنى الذى يواجههم فى الواقع أو ترهل الكيانات القائمة غير القادرة على مواكبة الزمن الرقمى. بيد أنه فى مرحلة من المراحل أصبح المجال الرقمى وبفضل تقنيات التواصل الاجتماعى ساحة لفعالية شبابية يلتقون من خلالها للتعبير عن فرحهم وغضبهم حول ما يحدث فى الواقع، ويتجاذبون أطراف الحديث عن أحوال البلاد والعباد. ثم فى مرحلة تالية بات المجال الرقمى مصدرا لدفع الشباب إلى العودة للمجالين السياسى والمدنى بصورة مركبة خارج المؤسسات التقليدية من أحزاب ومنظمات تتمثل فى الآتى:

تخطيط وتنظيم فائق، ممارسة حضارية للاحتجاج فى الواقع، الالتزام الشديد والصارم بكل ما يُتفق عليه، نجاح «الطليعة الشبابية الرقمية» فى حشد وتعبئة الكتلة الشبابية التى تنتمى للشرائح الدنيا بتنويعاتها المختلفة، فكان ما حدث فى 25 يناير وما تلاه من أيام..

فى هذا السياق، لابد من رصد أن الاستجابة العامة للحراك الشبابى/ الشعبى كانت محل ترحيب عام وتعاطف بدرجة أو أخرى من الناس بتشكيلاتهم المتنوعة ومن داخل عديد من أجنحة الدولة.ولعل من أهم ما كشفت عنه الأيام الماضية هو أن الشريحة الوحيدة التى لم يرق لها هذا «الحراك»، هى القلة الثروية التى كانت تبشرنا بالتحديث من خلال السياسات النيوليبرالية، حيث قاومت «الحراك» بـ«السيوف والسنج» فيما يمكن وصفه بـ«موقعة الجِمال». وهنا كانت المفارقة.

مصر الشابة التى تعبر عن جموع المصريين نجدها وقد انحازت إلى «الدنيا الجديدة» دنيا السوفت وير وخلافه، وكما أشرنا فى مقالنا السابق، دنيا الشباب التى تتميز بأمرين: الانقطاع الجيلى، وفك ارتباطها بالمرجعيات التقليدية، والقلة الثروية التى لم يكن يعكس تحديثها إلا تحديث شريحة بعينها دون غيرها.

إلا أن موقعة الجمال لم تنجح فى وقف حراك مصر الشابة القادمة لا محالة.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern