برنارد لويس: الطريق إلى الديمقراطية عبر التقسيم

فى خضم الحوارات والسجالات والانشغالات التى تموج بها مصر.. وكالعادة تجرى أحداث وتنطلق أفكار وتنظم فعاليات حول المنطقة ونحن لا نعنى بها.. فى هذا السياق أصدر برنارد لويس (93 سنة)، المعروف بشيخ المستشرقين كتاباً مهماً فى مطلع هذا العام عنوانه: «الإيمان والقوة: الدين والسياسة فى الشرق الأوسط» (طبعة واكسفورد).. وتأتى أهمية ما يطرحه لويس فى أن أفكاره يأخذ بها صانع القرار الأمريكى فى تشكيل مخططاته، التى تتعلق بالشرق الأوسط.

(1)

لقد أتيحت لى الفرصة أن أتابع كتابات برنارد لويس منذ نهاية التسعينيات فى إطار الإعداد لكتابنا «الحماية والعقاب: الغرب والمسألة الدينية فى الشرق الأوسط» (صدر فى عام 2000)، وقمت بترجمة نصه الكامل المعنون: «الغرب والشرق الأوسط» الذى نشر فى مجلة فورين أفيرز 1997.. ولأهمية النص قمت بنشره مع تعليق على الدراسة فى عام 1999.. وتبين لى مدى أهمية الرجل وأهمية أفكاره التى كتبها من خلال كتب ودراسات سابقة أو لاحقة على الدراسة، التى قمت بترجمتها.. حيث تجد هذه الأفكار طريقها إلى التنفيذ بدرجة أو أخرى عبر الاستراتيجيات والخطط الغربية: الأمريكية بالأساس.. لذا قال عنه المفكر الكبير إدوارد سعيد: «القارئ لبرنارد لويس، يمكنه أن يلحظ بسهولة أن جهده هو جزء من البيئة السياسية أكثر من البيئة الفكرية الصرفة»..

(2)

الإيمان والقوة، ينقسم إلى 13 فصلاً، الفصول فى الأصل عبارة عن محاضرات، ألقيت ثم تم تطويرها فى دراسات نشرت فى دوريات متخصصة أو كانت دراسات فى الأصل.. من العناوين التى تضمنها الكتاب: الإسلام والديمقراطية الليبرالية، الحرية فى النهاية: العالم العربى فى القرن الواحد والعشرين، السلام والحرية فى الشرق الأوسط، الديمقراطية والشرعية والخلافة فى الشرق الأوسط، الحرية والعدالة فى الإسلام، الحرية والعدالة فى الشرق الأوسط الحديث.. الخ.

ولعل ما تعرض له الكتاب هو تصنيفه لأنظمة المنطقة بأنها كما يلى: (1) أوتوقراطية تقليدية، (2) أوتوقراطية تحررية، (3) ديكتاتورية، (4) أنظمة ثورية إسلامية، وفى المقابل هناك الديمقراطيات الغربية.. ويطرح فى هذا السياق كيف أن هناك الغرب عليه مسؤولية أن يحول الأنظمة غير ديمقراطية كى تكون دولاً ديمقراطية أو أن الانهيار سوف يلحق به من جراء الأضرار، التى تطاله من قبل هذه الأنظمة غير الديمقراطية.

(3)

ويرى برنارد لويس أن الطريق إلى تحقيق الديمقراطية فى المنطقة يكون بتقسيمها إلى كيانات صغيرة.. ولعل ما طرحه هو استكمال لما قاله فى مؤتمر هرتزليا، الذى عقد منذ ثلاث سنوات وعلقنا عليه فى حينه حيث قال: «إن (الحقبة النابليونية) نسبة لقدوم نابليون بونابرت إلى المنطقة – والتى أطلقت الدولة الوطنية – قد «انتهت» بنهاية الحرب الباردة، حيث القوى الدولية قد فتر اهتمامها بالشرق الأوسط، الأمر الذى يعنى العودة إلى طبيعتها الأولى، والتى سوف تتسم بأمرين هما:

أولا، الرجوع إلى الهوية الدينية والمذهبية بديلا عن الهوية الوطنية، ثانيا، يتم الصراع مع الآخر(الغرب) فى ظل تنافس بين التيار السنى، والتيار الشيعى، والمحصلة المنطقية لما سبق، فى تقديره، الصراع مع الآخر الغربى، والتنافس على هذا الصراع بين السنة والشيعة، لابد وأن تتم عبر الصراع الداخلى فى المنطقة بين المتنافسين أى بين السنة والشيعة، تماما مثل الصراع الكاثوليكى البروتستانتى الأوروبى.. وعن هذا الطريق وحده يحدث التحول إلى الديمقراطية.

(4)

لا شك أنه من الناحية الأكاديمية تحمل أفكار لويس رؤية مركبة توظف العلم والمعرفة فى رسم صورة تبدو دقيقة للواقع، زاخرة بالتفاصيل وعامرة بالمعلومات.. وبناء بنية من التقابلات بين الشرق والغرب فى ضوء التفاصيل والمعلومات التى تنتقى بعناية، وتصاغ بمهارة وتحمل قدرة على الإقناع، خاصة عندما تقدم فى إطار الواقع الذى دائما متخلف فى الشرق ومتقدم فى الغرب، من دون أى إشارة عن الأسباب أو الجذور.. وأخيرا تمرير مجموعة من الأفكار المعدة سلفاً، والتى تصب فى توجهات أو استراتيجيات محددة.. تصب فى الإطار «الجيو سياسى» أساساً.

وهنا تكمن خطورة برنارد لويس.. ويكفى القول إنه منذ إعلانه عن انتهاء الدولة الوطنية فى مطلع 2007 وبداية زمن الانقسام المذهبى اتجهت المنطقة إلى هذا الطريق.

بعض الاهتمام مطلوب لهذه النوعية من الكتابات من قبل المتخصصين والخبراء وصانعى القرار.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern