عقد الوطنية والإبداع المصرى

قرأت وكتبت عنه منذ فترة طويلة.. وتحدثت عنه فى «العاشرة مساء» مؤخرا.. وأخيرا رأيته وجهاً لوجه فى أحد البرامج التليفزيونية الأسبوع الماضى.. إنه إحدى الحبات الثمينة من حبات عقد الوطنية والإبداع المصرى.. إنه اللواء باقى زكى سليمان، واحد من أبطال حرب أكتوبر: صاحب فكرة تفتيت الساتر الترابى لخط بارليف.

(1)

كم كانت سعادتى بالغة وأنا أستمع له وهو يقص لنا كيف واتته الفكرة وعرضها على رؤسائه.. وكيف تم نقلها إلى القيادات العسكرية بحضور جمال عبدالناصر، وأنها من بنات أفكار أحد الضباط الصغار.. وكيف أُخذ بها بعد اختبارها وتم تنفيذها فى حرب أكتوبر73.. وكيف تم نسبها إليه فى الوثائق الرسمية فى تقاليد وطنية مصرية عسكرية نبيلة وجميلة.

(2)

ما أحوجنا فى هذه اللحظة أن نستعيد، وهنا أقتبس من الوثيقة الأولى من وثائق مواطنون فى وطن واحد «الوطن المصرى البديع الذى اتسع تاريخيا وإنسانيا ليحتضن على أرضه وفى أعماقه مطلقين دينيين تجاورا لقرون عديدة وأسهما معا فى صياغة هويته الحضارية الفريدة وفى إثراء تراثه الإنسانى العريق. هذا الوطن هو موضع للسعادة المشتركة لكل أبنائه، ينميه ويستمتع بفضائله كل من شارك مخلصا فى رفعته وكل من أسهم مبدعا بفكره وعرقه ونضاله فى تقدمه».

عرفت عناصره الوطن لا بهويتهم الأولى وإنما بإبداعهم ووطنيتهم.

(3)

هذا الوطن الذى صيغت ملامحه السياسية والثقافية والحضارية فى العصر الحديث، على أيدى كوكبة من البنائين العظام صانعى جسور التواصل الإنسانى الخلاق بين العقيدة والوطن، وبين العقل والوجدان، وبين المحلى والعالمى، وبين ما هو مطلق ومقدس وما هو دنيوى ونسبى وإنسانى.. دون أن يفقدوا بوصلة الانتماء الصحيح إلى الوجدان المشترك لهذا الوطن العظيم. «إنه ركب مهيب يتقدمه شيوخ أجلاء نلمح منهم حسن العطار ورفاعة الطهطاوى وكيرلس الرابع والأفغانى ومحمد عبده وكيرلس الخامس وحبيب جرجس وسرجيوس ومحمود شلتوت ومحمد أبوزهرة وأحمد حسن الباقورى. ويتبدى بينهم بعض رجالات الطبقة العليا، فيهم سعد زغلول ومصطفى كامل وعبدالعزيز فهمى وطلعت حرب وقاسم أمين وأحمد لطفى السيد ومصطفى النحاس وميخائيل عبدالسيد ومرقس سميكة وويصا واصف وسينوت حنا ومكرم عبيد ومحمد حسين هيكل ومنصور فهمى وعبدالرازق السنهورى وتوفيق شحاتة وسليمان مرقس وفخرى عبدالنور. ويظهر فى عمق المشهد أفندية من الطبقة الوسطى المصرية بكل حيويتها وصخبها، يتقدمهم النديم وسلامة موسى ومحمود مختار ومحمود سعيد وطه حسين والعقاد ومحمد شفيق غربال وجمال حمدان ولويس عوض وحسين فوزى ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وعادل كامل ومحمد مندور والشيخ محمد رفعت والمعلم ميخائيل المرتل ورمسيس يونان ويوسف جريس وعزيز الشوان، وأبوبكر خيرت وجمال عبدالرحيم وصبحى وحيدة وعزيز سوريال عطية ومراد كامل وأحمد صادق سعد وشهدى عطية الشافعى وبيرم التونسى وبديع خيرى والريحانى وزكى نجيب محمود وخالد محمد خالد ومختار التتش وكامل مسعود وخضر التونى وسيد درويش ومحمد القصبجى ومحمد عبدالوهاب وبليغ حمدى وكمال الطويل وفؤاد حداد وصلاح جاهين وصلاح عبدالصبور وألفريد فرج ونعمان عاشور وأبوسيف يوسف وسيد عويس وإسماعيل صبرى عبدالله وأحمد بهاء الدين وزكريا إبراهيم ويوسف إدريس وزكريا الحجاوى ووليم سليمان قلادة وعادل حسين ونزيه نصيف الأيوبى وصلاح أبوسيف ويوسف جوهر وعلى الراعى وشادى عبدالسلام وعاطف الطيب ورمزى زكى وسعيد سنبل ومنير حكيم صليب وميشيل باخوم وفؤاد المهندس وفيليب جلاب وأحمد عبدالله رزة، ورؤوف عباس ورجاء النقاش ويونان لبيب رزق ويوسف شاهين ومحمد السيد سعيد. ومن السيدات هدى شعراوى ونبوية موسى وأم كلثوم وتحية حليم وأمينة السعيد وإيريس حبيب المصرى وإنجى أفلاطون ودرية شفيق ونظيرة نقولا وسيدة إسماعيل الكاشف وإستر فهمى وسيزا نبراوى وبنت الشاطئ وعزيزة أمير وروز اليوسف وسهير القلماوى ولطيفة الزيات وملك عبدالعزيز وأنجيل بطرس وسناء جميل»… الخ.

(4)

إنها جدارية متسعة باتساع الوطن حوت فى تجاور مبدع واتساق خلاق:

الدينى مع العلمانى،

المسلم مع القبطى،

الأصيل مع الوافد،

القادم من الشرق مع النازح إلى الغرب،

فى سماحة ترفض الإقصاء وتنبذ الفرقة، تحترم التنوع وتدين التعصب المقيت.

حيث تمتزج أنفاس صانعيها بمياه النيل،

ويستلهم مبدعوها صمت الصحراء،

وزرقة المتوسط،

وسمرة أرض الوادى.

جدارية عبقرية تكشف لنا.. أننا نعيش فى وطن واحد لا ينفرط عقده أبدا.

تربط بين حباته الوطنية والإبداع.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern