سعدت جدا بمبادرة «المصرى اليوم» لوقف التلاسن الطائفى.. ذلك لأننا، ومن خلال هذا المكان، كتبنا مرات عديدة نحذر من السجال الدينى.. ونذكر فى هذا المقام سلسلة المقالات التى نشرت تحت عنوان «مستقبل العلاقات المسيحية الإسلامية فى مصر» فى جريدة «المصرى اليوم» فى 15 و22 و29 ديسمبر الماضى.. وها هى الأحداث الأخيرة تأتى لتقدم بالدليل العملى الآثار المدمرة للسجال الدينى على مصر.. وحتى تؤتى المبادرة ثمارها.. نقدم خلاصة ورقة بحثية مبكرة تتضمن بعض المفاهيم التى أشرنا إليها من قبل، كما تعرض لبعض الأفكار العملية للتقدم بهذا الوطن- بمواطنيه جميعاً دون تمييز- خطوة إلى الأمام.
(1)
بداية لابد من التأكيد- مرة أخرى- على أن السجال الدينى الذى سمحنا له بأن يسود وأن نتعايش معه.. وأن يتجاوز الأروقة العلمية وينزل إلى الناس عبر وسائل الإعلام المتنوعة «المكتوبة والمرئية والإلكترونية»، قد أدى إلى دخول العلاقات الإسلامية المسيحية دائرة الخطر الصريح… تخيل معى أيها القارئ الكريم/ أيتها القارئة الكريمة، عندما يرسم كل طرف صورة عن الآخر الدينى تشكك فى عقيدته أو تنكر مقدساته… فأى علاقة يمكن أن نتوقعها بين الطرفين عندما يلتقيان فى الحياة العامة؟! هناك ثلاثة احتمالات: إما أن يهمل كل طرف الآخر أو ينكر كل طرف وجود الآخر، أو يهدر كل منهما دم الآخر.
(2)
لهذا قلنا إننا بهذا نصل إلى دائرة الخطر الصريح، حيث تنتصر ثقافة «نفى الآخر» على «الحياة المشتركة»، وحيث يسود «الخلاف المدمر» على «الاختلاف البناء». لقد وصلنا إلى هذا الحد نتيجة لما يلى:
■ التفريط فى ذاكرتنا التاريخية المشتركة بحلوها ومرها، وتركنا كل فريق يشكل ذاكرة تاريخية تتناسب مع اللحظة الراهنة لتدعيم موقفه فى معاركه السياسية الآنية.. أى ذاكرة تاريخية على المقاس.
■ قراءة التاريخ قراءة دينية وليس قراءة مجتمعية (سياقية)، حيث تؤخذ فيه الظروف والملابسات المجتمعية، فلا يصير التاريخ بحسب البعض تاريخاً «وردياً» أو بحسب البعض الآخر تاريخاً «دموياً»..
■ القبول بالتصنيف الدينى للمصريين فى وسائل الإعلام (راجع مقالنا فى «المصرى اليوم» (15 /9/2009).
(3)
مما سبق بات على الإعلام المعاصر، بما يملك من تأثير مهول على إنساننا المعاصر ذهنيا، وروحيا، ونفسيا، ومزاجيا، وعلى تشكيل رؤيته للقيم وللمجتمع وللعالم وللآخر- أن يصبح إعلاما للتواصل الوطنى بين مكونات الجماعة الدينية ويصلح ما أفسده إعلام السجال الدينى..
وعليه، ندعو إلى أن ينطلق الإعلام فيما يتعلق بدعم قيم المواطنة، والتأكيد على المواطنة الثقافية بين المواطنين فى ضوء مبادئ ثلاثة وذلك كما يلى:
(1) استعادة المواقف الإيجابية التاريخية التى تعكس التفاعل الاجتماعى والتعددية الواقعية بين المصريين من المسلمين والمسيحيين، وتحرير القراءة التاريخية من الرؤية الدينية والتوظيف السياسى.
(2) التركيز على فكرة أن ينشغل المصريون بما يواجههم من هموم دون تمييز.
(3) التشجيع على العمل المشترك وتحقيق السعادة المشتركة للوطن الذى يجمعنا.
(4) فى ضوء هذه المبادئ، نطرح محاور أربعة يعنى بها إعلام التواصل الوطنى وذلك كما يلى:
أولا: محور معرفى/ معلوماتى حول تاريخ العلاقات الإسلامية والمسيحية والتعددية الثقافية فى مصر، حيث يعنى هذا المحور، أولا: بالتواصل الحضارى للثقافة والفنون المصرية الفرعونية والقبطية والإسلامية والحديثة من: فن المعمار، المنسوجات، الأعمال الخشبية، الفنون المصورة، الآثار، إلخ، وتقديمها فى إطار معرفى وثقافى داعم لفكرة الهوية الوطنية مركبة العناصر..وثانيا: تقديم التراث الثقافى المصرى المشترك بين المصريين فى حياتهم اليومية بالرغم من الاختلاف الدينى.. وثالثا وأخيرا: تقديم الرؤى الإسلامية والمسيحية من قضايا مثل: العدل، المساواة، الحرية… إلخ.
ثانيا: محور دعم قيمة الحوار الثقافى والحياتى، حيث يتم التأكيد أولا: على نبذ السجال الدينى بكل أشكاله وتعظيم قيم احترام الآخر والاختلاف.. وثانيا: على فهم الآخر كما يحب أن يكون مفهوما.. وثالثا: إدانة الإساءة أو التشويه أو التشكيك أو التجريح.. ورابعا: التركيز على قيمة التنوع وأنه من نعم الله علينا.
ثالثا: محور دعم قيم المواطنة الحديثة، التى تتضمن أولا ما يمكن تسميته: الذاكرة المدنية الحديثة، حيث يلقى الضوء على المواقف الوطنية المشرقة التى شارك فيها المصريون معا فى مواجهة المحتل والمستعمر، وفى تحقيق الاستقلال الوطنى، وتحرير الأرض، والمشاركة فى المشروع الوطنى.. وثانيا: الإلحاح على الدعوة إلى المشاركة السياسية والاجتماعية، وأن المشاركة لا تستقيم إلا بحضور كل مكونات الجماعة الوطنية.. وثالثا: دعم القيم الدستورية..ورابعا: التأكيد على قيمتى تكافؤ الفرص والمساواة.. وخامسا: إلقاء الضوء على المساهمات المتنوعة للأقباط فى الماضى والحاضر فى شتى المجالات.
رابعا: محور التعامل مع إشكاليات التوتر الدينى: وذلك من خلال منهجية تقوم على أولا: الحرص على التغطية المعلوماتية الدقيقة لأى واقعة توتر دينى، وأن يكون الإعلام المصرى المصدر الأول لتدفق المعلومات.. وثانيا: عدم الوقوع فى فخ ذكر الصفة الدينية لأطراف الوقائع الجنائية، لمجرد أن أحد الطرفين مسلم والطرف الآخر مسيحى.