وقائع البحث عن خدمة طبية بعد منتصف الليل

فى مسرحية «إلا خمسة» للريحانى.. جاء على لسان محمد شوقى فى حواره مع عادل خيرى النسخة المصورة تليفزيونيا «عتبتين يارب مادخلهمش.. عتبة المحامى وعتبة الدكتور.. تدخل عند ده آمن تخرج تقول يا شر اشتر.. وتدخل عند الدكتور سليم متعافى تخرج عندك كل أمراض الدنيا.. ».

(1)

من كثرة ما يسمع المرء ويتابع ويشاهد حالات تعرضت لمشاكل طبية نتيجة الإهمال أو التأخر فى تقديم الرعاية الطبية أو الخطأ فى تشخيص الحالات الطبية.. أو ارتفاع تكلفة الخدمة الطبية بتفاصيلها.. يدعو المرء من الله نهارا وليلا ألا يعرضه لأى امتحان صحى.. بيد أنه فى أقل من تسعة أشهر دعت الحاجة أن أذهب بـ«رجلى» مرتين بحثا عن خدمة طبية.. وهنا تبدأ وقائع الرحلة فى كل مرة.

(2)

نعم رحلة.. فالحاجة التى دفعتنى إلى ذلك فى المرة الأولى.. والتى دفعتنى إلى ذلك أنا وزوجتى فى المرة الثانية كانت تحدث بعد منتصف الليل.. ففى المرة الأولى وكانت فى نوفمبر الماضى شعرت وأنا أقود سيارتى عائدا مع زوجتى من مناسبة اجتماعية بألم فى صدرى وشعرت بقلق، خاصة أنى عضو فى نادى الضغط المرتفع.. قلت سوف أتحامل على نفسى وأذهب إلى المستشفى العام العريق فى مصر الجديدة الذى تقع بجوار منزلى مؤقتا حتى أذهب إلى الطبيب المعالج فى الغد.. ودخلت الطوارئ.. ولم أجد أحدا يستقبلنى أو يدلنى على شىء.. ثم لقيت ممرضة تذكرك بالممرضة التى كانت تحمل العبقرى إبراهيم سعفان فى مسرحية الدبور وتلقى به على السرير رمياً.. وقبل أن أكمل شكواى وجدتها تنادى على الطبيب بأعلى صوت مثل الأسطى الذى ينادى على الصبى، وظهر طبيب صغير مغلوب على أمره ومنكسر لا يوحى بأن لديه أى خبرة.. فما كان منى إلا أن قلت لزوجتى لننسحب فى هدوء.. ثم ذهبنا إلى مستشفى آخر خاص فى مصر الجديدة فلم نجد أحدا من الأصل.

(3)

وتتواصل الرحلة.. رحلة البحث عن خدمة طبية بعد منتصف الليل.. ذهبنا إلى مستشفى يتبع إحدى المؤسسات الدينية.. وبعد مفاجأة ذكر الاسم، والحصول على تذكرة.. جاءت الطبيبة وكانت مثالية فى محاولتها تقديم خدمة طبية مخلصة وقامت بالكشف بالسماعة، إلا أن الأمر احتاج إلى عمل رسم قلب.. بيد أن جهاز رسم القلب خانها، حيث كانت مع الممرض المرافق تحاول بشتى الطرق أن تجعله يعمل حتى إنهم أوسعوه ضربا لكى يعمل وأخيراً عمل بربع طاقة.. طمأنتنى الطبيبة بعض الشىء أن الضغط مرتفع والقلب سليم.

(4)

استغرقت هذه الرحلة أكثر من ساعتين.. زاد فيهما الهم، وأخذت أصيح لزوجتى: «معقول حى مصر الجديدة كله لا توجد فيه خدمة طبية مقبولة ومعقولة».. تذكرت مستشفى رابعاً استثمارياً.. ذهبت إليه لم تكن الأجهزة معطلة، وهناك من يقوم بالمهام المطلوبة، ولكن ليس بالجودة المطلوبة ولا بالإحساس بالمسؤولية حيث يتم كل شىء بشكل روتينى.

(5)

كانت هذه وقائع رحلة البحث الأولى.. أما الرحلة الثانية فقد حدثت الأسبوع الماضى حيث كنا عائدين من سحور.. وتعرضنا لحادث بسبب شخص بعد أن طلع مطلع كوبرى الجلاء فى طريق العروبة قرر أن يأخذ الطريق الأرضى فجأة فقفز من على الرصيف الفاصل لنجده أمامنا.. واصطدمنا به.. لم نجد شرطياً واحداً على مدى أكثر من نصف ساعة فى طريق مهم وحيوى، وفى وقت لم يزل مزدحما.. تورمت يد وقدم زوجتى فأخذتها للمستشفى الاستثمارى الذى وجدنا به قدراً من الخدمة المقبولة.. ذهبنا وقلنا إننا تعرضنا لحاث سير لم يأبه أحد بأن يُجرى أى فحوصات كما هو متعارف عليه.. فحوصات تتجاوز الإصابات الظاهرة.. أو التأكد من عدم وجود نزيف داخلى أو ما شابه.. بالإضافة إلى أن عامل الأشعة بالكاد قام بعمل أشعة لليد المكسورة وعندما طلبت منه عمل أشعة على قدم زوجتى قال إن الطبيب لم يقل له، كما أن التورم مجرد كدمة شديدة، بالإضافة- وهو الأهم- إلى أن هذا سوف يستغرق نصف ساعة لأن التحميض يتم يدويا لأن ماكينة التحميض معطلة.. بالطبع هناك ملاحظات كثيرة تقال.. ولكنى أكتفى بذلك..

(6)

تخيلوا أن حياً مثل «مصر الجديدة» فى قلب القاهرة يصعب أن تجد فيه خدمة طبية مقبولة بعد منتصف الليل.. مصر التى تظل «كافيهاتها» مفتوحة تقدم خدماتها للفجر لا تجدها تعامل الخدمة الصحية بالقدر نفسه.. وبالطبع السؤال: ماذا عن ريف ونجوع مصر؟

يارب أبعد عنا عتبة الدكتور، على الأقل ليلا.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern