حاجتنا لتأمين أصحاب الإنجازات

فى زحام المسلسلات وانتقالات لاعبى الكرة المليونية والشجارات المهنية والدينية.. إلخ.. والهدر السفيه فيما لا فائدة منه.. تتوارى نجوم أضاءت سماء الوطن بالإبداع غير المسبوق والإنجاز المتميز.. تتوارى إما بالرحيل فى صمت بعد معاناة مع المرض أو بالتعرض لأزمات تعوقهم عن العطاء.. يتعرضون لذلك دون أن تتوفر لهم الرعاية المطلوبة، وينفقون كل ما لديهم ويتعرضون لمحنة حقيقية من جراء ذلك.

(1)

الأسبوع الماضى، نشرت «الأهرام» خبرا صغيرا تحت عنوان: من ينقذ عزالدين يعقوب؟.. وعزالدين يعقوب لمن لا يعلم هو لاعب كرة من جيل منتصف الستينيات وحتى منتصف السبعينيات بنادى الأوليمبى السكندرى (من جيل السكران والكأس الكبير ومحمود بكر).. يقول الخبر إن عزالدين يعقوب «يجلس طريح الفراش إثر مرضه بشلل نصفى وصرع وجلطات بالمخ، أدت إلى إنفاقه كل ما لديه..».. انتظرت عدة أيام حتى أجد أى رد فعل لهذا الخبر الذى سبب لى ألما شديدا، فلم أجد.. كما لم أجد، فى حدود متابعتى، أى برنامج من البرامج الرياضية أو الحوارية فى الفضائيات ممتدة الساعات تعطى بعض الاهتمام لهذا الخبر مثلما يحدث فى أمور أخرى حول صفقات الاحتراف الوهمية وألاعيب العقود المبرمة الخاصة بهذه الصفقات.. أو قصص النميمة الرياضية.

(2)

عزالدين يعقوب لم يكن لاعبا عاديا، فلقد كان نموذجا للاعب المثالى من حيث الموهبة والكفاءة والخُلق الرفيع والتدين «الطبيعى» والحرص على النمو العلمى والمعرفى.. فلقد حصل عزالدين يعقوب على درجة الدكتوراه فى التربية البدنية مبكرا فى زمن كان العلم فيه له قيمته ومكانته وليس الاحتراف الوهمى والاستغناء عن التعليم.. كما كان اللاعب الوحيد فيما أظن الذى جمع بين ممارسة لعبتين فى آن واحد ونبغ فى كل منهما.. فلقد كان مهاجما من طراز رفيع، وفى نفس الوقت كان يمارس ألعاب القوى وفاز ببطولة أفريقيا فى الوثب الطويل والثلاثى و100 متر عدو.

وها هو ينتهى به المقام طريح الفراش، ويبدو أنه لم يكن لديه سكن لأن الخبر فى «الأهرام» يقول إن زوجته الفاضلة تشكر محافظ الإسكندرية على توفير شقة للبطل المصرى.

(3)

إن ما يتعرض له عزالدين يعقوب يعكس أن هناك خللا ما يتعلق بالتعامل مع ممن أنجزوا من أبناء هذا الوطن من الفئات كافة.. بالطبع لابد أن تتوفر الرعاية لجميع المواطنين بمساواة كاملة.. بيد أن الإشكالية أنه ربما تكون لدى هؤلاء المبدعين، الذين أنجزوا لهذا الوطن، حساسية فى طلب المساعدة.. ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، فلم تزل حالة الناقد الكبير فاروق عبدالقادر حاضرة فى الأذهان بسبب ما تعرض له من محنة صحية رمت به إلى عنبر جماعى فى مستشفى عام بلا رفيق أو صديق إلى أن توفاه الله..

وهو الذى ترجم «النقطة المتحولة لبيتر بروك و«طرائق الحداثة» لرايموند ويليامز.. بالإضافة إلى دراسات نقدية معتبرة مثل: «يوسف إدريس والبحث عن اليقين المراوغ» و«ازدهار وسقوط المسرح المصرى» و«مساحة للضوء ومساحات للظلال» و«أوراق من الرماد والجمر» و«من أوراق الرفض والقبول».. صحيح أنه حصل على جائزة الدولة ولكنها جاءت فى الوقت الضائع.. والسؤال: هل هكذا تكون نهاية أصحاب الانجازات؟

(4)

صفوة القول، هناك حاجة ملحة لوجود آلية تؤمن حياة آمنة وكريمة لمبدعينا وأبطالنا الرياضيين.. وفق معايير تعيد الاعتبار لمعنى الإنجاز.. فلا يبقى صاحب الإنجاز فى أى مجال ينتظر المساعدة التى قد تأتى متأخرة من جهة عربية أو أجنبية أو مصرية، ولكنها لا تفى بالمطلوب وتكون أقرب إلى الإحسان.. أو لا تأتى قط.

تأمين أصحاب الإنجازات والتعريف بهم وتنشيط الذاكرة المدنية بما قدموه لأوطانهم من مظاهر تقدم الأوطان.

والتقدم يبدأ بمثل هذه الأمور الأولية.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern