اللغة عندما تكون نمطية وفقيرة

بدأت منذ أسابيع تطل علينا التنويهات الخاصة بإنجازات الدراما المزمع عرضها خلال الشهر الفضيل.. بالطبع أثناء المساحة الإعلانية الممتدة التى تتخللها مشاهد تمثيلية أكثرها يخالجك شعور أنك رأيته من قبل إما فى مسلسلات سابقة أو فى أفلام قديمة أعيد تفصيلها لمشاهدى التليفزيون..على أى حال ليست المسلسلات موضوع حديثنا اليوم..وإنما الحوارات التى تجرى مع الممثلين المشاركين فى هذه المسلسلات.. حيث سجلنا بعض الملاحظات عليها والتى أظن أنها تحمل الكثير من الدلالات تتجاوز الحوارات الفنية.

(1)

ملاحظتنا الأولى، أن الحوارات تكاد تكون متماثلة.. بالرغم من اختلاف القناة واختلاف المحاور/ المحاورة.. الأسئلة واحدة وبترتيب واحد يُشعرك بفكرة الأسئلة النموذجية التى تغطى المنهج لأنه من غير المسموح أن تكون هناك أسئلة خارجة.. سؤال حول أسباب قبول الدور.. وعن فريق العمل والإصرار على سماع نوادر حدثت فى الكواليس بين الفنانين.. ثم الفريق الفنى للعمل وعلى رأسه المخرج.. ودور الإنتاج الذى نجح فى أن يُخرج هذا العمل للنور.. وأخيرا يأتى ما يمكن تسميته- «سؤال ذروة الحديث» حول أى عمل أقربها لقلب الممثل/ الممثلة مما تم تمثيله فى الماضى وموقع العمل الجديد.. وهكذا تدور الأحاديث مع ممثلينا.

(2)

ملاحظتنا الثانية، حول الإجابات، التى تستخدم فيها نفس المفردات تقريبا.. فالسؤال الأول حول أسباب قبول الممثل/ الممثلة للدور.. تكون إجابته التى تنطلق على لسان الممثل/ الممثلة على الفور.

* «أنا لما جانى الورق ماقدرتش أسيبه إلا لما أخلصه ووافقت على الفور.. الواحد ما يقدرش يقول لأ على ورق بالجمال ده».

أخذت وقتا كى أعرف ما المقصود بـ«الورق».. الورق يعنى «النص الدرامى».. إلا أن المشكلة ليست هنا، الواقع أن المشكلة فى أن جميع الممثلين يستخدمون نفس المفردة ونفس الجملة، كما لو كانت إجابة مقررة فى منهج ولا تصح الإجابة دون استخدامها.

تماما مثل كثرة استخدام كلمة «جميل» لوصف أحد المشاركين فى العمل الفنى من الممثلين/ الممثلات، أو الفنيين القائمين على العمل.. حيث يقول الضيف/ الضيفة:

«فلان ده فنان جميل» و«علان ده إنسان جميل».. وهكذا تتكرر كلمة «جميل» عشرات المرات فى كل الحوارات وكأنها أيضا «مصروفة» للإجابة، حتى القصص التى يتم ذكرها كـ«نوادر» تحدث فى الكواليس.. تكاد تكون واحدة.. كذلك روح الأسرة التى اجتاحت فريق العمل وجعلتهم يتمنون ألا ينتهى العمل أبدا..هكذا يتواصل الحديث بإجابات بات المشاهدون يتوقعون سماعها قبل النطق بها..

(3)

ملاحظتنا الثالثة تتعلق بدلالة هذه الحوارات التى تبث عبر القنوات الدرامية التى أصبح عددها يزداد على الطريقة «المالتوسية» أى بشكل متضاعف وأنا لا أقصد من ذلك أن يتقعر الضيف فى إجابته أو يُحمّل الحوار مضامين لا يحتملها الحوار.. وما أقصده بكلمة دلالة هنا هو ليس فى ظاهره بل ما يعكسه من إشكاليات تبدأ من الإعداد للحوار، والقبول بقائمة أسئلة واحدة لا تتغير تُلقى بنفس الترتيب تقريبا، والقبول بإجابات متكررة وبنفس المفردات، والرسالة الإعلامية التى يريد الإعلام أن يرسلها للجمهور.. والأهم وهو ما يشغلنى الكيفية التى تعمل بها عقولنا وكيف نعبر من خلال اللغة عما نريد.

(4)

على سبيل المثال لا الحصر.. إذا ما استعرنا الإجابة المتكررة «ده إنسان جميل وده فنان جميل».. فإن السؤال الذى يطرح نفسه ما الفرق بين «جميل» الأولى و«جميل» الأخرى، خاصة وقد أطلقتا على شخصين مختلفين.. وهل كلمة جميل هنا مقصود بها المعنى المباشر المتعلق بالجمال.. أم مقصود بها أكثر من ذلك.. وألا توجد مفردات فى اللغة يمكنها أن تعبر عن صفات الأشخاص تعصم من تكرار المفردة الواحدة؟

بنفس المنطق ألا توجد طريقة تقى الحوارات من النمطية والتكرار وقوائم الأسئلة الحجرية؟!

(5)

واقع الحال أن ما طرحناه لا يقف عند الحوارات الفنية فقط.. وإنما يمتد للكثير من الحوارات فى شتى المجالات..بيد أن الحوارات الفنية ولأنها الأكثر مشاهدة فإنه يمكن من خلالها أن ندلل على حالة نظنها شائعة تعكس ليس فقط إشكالية فى اللغة من حيث نمطيتها وفقرها وإنما من حيث الأفكار التى تصنعها.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern