التعليم بطريقة «على بابا»

(1)

الحديث عن التعليم فى مصر حديث ذو شجون.. فالراصد للكيفية التى يلهث بها الآباء وراء أولادهم: صباحا فى التعليم الرسمى، ومساء من خلال الدروس.. يدرك حجم الكارثة التعليمية فى مصر.. أخذاً فى الاعتبار- وكما أشرنا- أن ميزانية الدروس تعادل الميزانية الحكومية المخصصة للتعليم فى مصر، أى أننا نتكلم عما يتجاوز «الخمسين مليار جنيه» سنويا.. والسؤال الذى من المنطقى أن يفرض نفسه: ما عائد هذا كله؟

(2)

الكل يشكو من تراجع جودة التعليم، حتى فى التعليم الاستثمارى..ذلك لأن العملية التعليمية نفسها من الصعوبة والتعقيد بما يحتاج إلى كوادر عالية التدريب وإلى مناهج تتيح التفاعل للطلبة وإلى مناخ يؤمن بما أسميه «تعليم النص المفتوح» وليس «النص المغلق».. أى بطريقة «هو كده».. أو «التعليم بطريقة على بابا»..الذى يتم فى حماية «حراس النص التعليمى».

(3)

ولتقريب الفكرة للقارئ الكريم.. كنا قد أشرنا فى أكثر من مقام إلى الفيلم التليفزيونى «محاكمة على بابا».. حيث تضمن مشهدا كانت المعلمة منشغلة بالتريكو وتكاد تعطى ظهرها للأطفال، وفى نفس الوقت تقوم بإلقاء قصة على بابا عليهم بصورة نمطية تقترب من تسميع الدرس عليهم.. ولأن الهدف من الدرس من البداية هو رسم صورة لعلى بابا طيبة ومثالية وخيّرة.. فإن المعلمة تسرد القصة فى هذا الاتجاه منذ سنوات.. بيد أن أحد الأطفال تجرأ على ما لم يتجرأ عليه ملايين الأطفال من قبله، وقال: «إن على بابا ليس خيّرا، لأنه أخذ مالاً لا يخصه وهو بهذا المعنى حرامى».

واختلفت المُعلمة مع الطفل.. حيث أصر الطفل على أن على بابا حرامى، وهى ترفض استنتاجه وتصرخ فى وجهه: «على بابا مش حرامى».. والنتيجة أن المُعلمة لم تجد أمامها إلا اتهام الطفل بأنه غير مهذب ولم ينل التربية المناسبة وتم تحويله للتحقيق واستدعاء والده.

لم يُحتفَ بالطفل بل تم عقابه نتيجة تجاوزه على منهج «على بابا».

(4)

واقع الحال أن الطفل لم يفعل سوى أنه مارس «إعمال العقل».. ومارس ما يعرف بعملية التربيط.. التربيط بين قيم مُخزنة فى عقله تعلمها من خلال التنشئة الأولى، تقول له إن الشخص الذى تمتد يده إلى ما لا يملكه يعتبر سارقا، وبين القصة التى سمعها..فلقد طبق الطفل القيم التى تعلمها على سلوك على بابا فكانت النتيجة بالنسبة له أن على بابا «حرامى».

لقد خرج الطفل على النص.. وعلى الدرس فى صورته النمطية.

كما تمرد على «حارسة» النص.

بيد أنه أكد الكثير من المعانى.

(5)

أول هذه المعانى أن العملية التعليمية فى جوهرها الحقيقى عملية إبداعية.. وثانى هذه المعانى أنه لا توجد مسلمات فى التعليم، حيث إن النص التعليمى ليس نصا مقدسا وإنما هو نص مفتوح يقبل التفاعل والاشتباك.. وثالث هذه المعانى هو أن التعليم الناجح يقوم على التفكير النقدى.. والنقد والتساؤل هما بداية أى عملية إبداعية.

(6)

وفى هذا السياق أذكّر بالطالبة آلاء (2006) صاحبة موضوع التعبير الشهير، التى على الرغم من بساطة المحاولة فإنها لمجرد أنها خرجت عن «الإجابة النموذج».. انزعج حراس النص «التعليمى» وكادت تعاقب تحت مظلة «قدسية وخصوصية» النص التعليمى.. لولا التدخل الرئاسى.

(7)

الخلاصة أن هذا النمط من التعليم الذى يقوم على فكرة النص المغلق أى غير القابل للنقاش أو الحوار.. أو يتم بمنهج على بابا أى «هو كده».. يجعل العملية التعليمية على الصورة التى نراها.. ويفقدنا أى أمل فى تطويرها.. ويجعلنا نلجأ إلى الحل السهل المتمثل فى الدروس من خلال المراكز الخاصة والمذكرات والملخصات والملازم.. تعليم يتم بطريقة «قول كلمتين وأنا أقول على طول» (العبارة الشهيرة التى كان يرددها الفنان عادل إمام فى مسرحية مدرسة المشاغبين).

فالإجابة لا تقوم وفق عملية معرفية وجهد عقلى وإنما بالتلقين بحسب الإجابات النموذجية.

علينا أن ندرك أن صورة أى مجتمع تتشكل وفق تعليمه.

فإذا كان التعليم يقوم على «اتباع» الإجابة النموذج.. فإننا نحصل على مجتمع يعكس ذلك.

أما إذا كان التعليم جوهره «إبداع» الإجابة غير المألوفة وغير النمطية.. فإننا نحصل على مجتمع مبدع.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern