السحب على المكشوف

(1) تعكس ردود الفعل المختلفة على ما يحدث فى مصر من وقائع وأحداث جسيمه, وجود اختلالات عميقة في شتى المنظومات.. فبدلا من المواجهة الحاسمة القائمة على العلم والمعرفة تجد النسيان, وتحويل النظر عن القضية الأصلية, وإعادة إنتاج الكلام نفسه, والاستسلام للقدر وللتفسيرات الاسطورية, وفى أحسن الاحوال يؤخذ بالحلول المؤقتة لامتصاص الغضب.. واخيرا التعايش مع ما يحدث في انتظار القادم من الأحداث والوقائع..


ففي أقل من شهر حدثت أكثر من حادثة كشفت من ضمن ماكشفت أن هناك خللا في قدرة الدفاع المدني على مواجهة الحرائق والكوارث الكبرى (تحية واجبة هنا لعناصر الدفاع المدني الذين يحاولون تعويض نقص الإمكانات بحماس كبير) الأمر الذى استدعى تدخلا من الجيش .. كذلك ضعف الاستعدادات والتجهيزات المطلوبة بحسب المعايير المتعارف عليها دوليا لمواجهة الحرائق والكوارث..
يستوي في هذا الضعف مجلس الشورى وحي الدويقة والمولات الكبيرة و الأحياء العشوائية, حيث الغياب في الحالتين للتقنيات المطلوبة من نظم إنذار مبكر, ومواسير مياه مجهزة سلفا, واكتشاف أن المباني لا يوجد في تصميمها مايتيح لفرق الإنقاذ ان تمارس دورها بحسب الأصول…الخ, ويؤكد ما سبق أن الخلل شامل.

وماإن تحدث الواقعة.. نجد تصريحات تنهمر حول مراجعة خطط المحافظات لمواجهة الكوارث والحرائق, وإلزام المباني والمرافق بشروط السلامة وإعداد خطط لتأمين مصر ضد الكوارث والحرائق.. ويستنفر الجميع, ولكنه استنفار لا يلبث أن يهدأ, وتعود ريما لعادتها القديمة.
(2)ينطبق ما سبق على رد الفعل الذي جاء عقب الإخفاق الأوليمبى لمصر.. حيث أهتم الإعلام بأنواعه بهذا الموضوع, وحاول تقديم تفسيرات علمية لما حدث,ثم ما لبث أن انشغل بالقصص والحواديت الخاصه بكواليس البعثة.. ثم فرض الشأن الكروي المحلي نفسه على جدول اهتمام الإعلام حتى تكوين اللجنة التي أمر الرئيس بتشكيلها, لمعرفة أسباب الفشل في بكين, ضاع الهدف من تشكيلها في حديث حول مدى صلاحيتها وماهية المهام المكلفة بها..ووصل الأمر الى النقاش حول اسم اللجنة.. نفس ما يحدث حول حريق الشورى, حيث انقسم الناس بين فريق يتهم الآخرين بالشماتة, وفريق صامت, وفريق غير معنى, و..و..و..

وهكذا نبتعد عن دلالة ماحدث وجسامته و تحديد المسؤولية ووضع خطط مستقبلية لتجنب مثل هذه الأحداث المؤلمة..ومتى ابتعدنا عن المواجهة الحاسمة المؤسسة على العلم والتخطيط, فإنه لا يبقى أمامنا سوى الثرثرة بقصص وحواديت غير مفيدة عن الحدث أو الاستسلام الغيبي لما يحدث أو الاستغراق التام لسيل المسلسلات, التي سجلت معدلا عالميا غير مسبوق في عددها.
ومع كل واقعة يتأكد لنا مدى الترهل, الذي أصاب كل القطاعات دون استثناء.. بيد أننا لا ندرك – أو ندرك- خطورة ما يترتب على ذلك من تداعيات.
(3) واقع الحال لابد من إدراك أن كل واقعة تحدث تكشف عن كثير من العورات.. تسحب الكثير من الأرصدة, منها :
 رصيد الثقة بين المواطنين والسلطة.
 رصيد الأمل في المستقبل الأفضل.
 رصيد الانتماء والولاء للوطن الذي نعيش فيه.
 رصيد ماأنجزته مصر من حداثة لصالح العرفى, والأولى مما ينتسب لما قبل الدولة الحديثة.
 رصيد قيمة الصالح العام لحساب الخاص والفردى.
 رصيد المؤسسية والحداثة والإتقان والاستقامة لصالح العائلية والفساد والتدهور.
 وأرصدة أخرى كثيرة.

وفي النهاية وما إن تتبدد الأرصدة التي تقوم عليها الأوطان والأمم من أجل نهوضها وتقدمها لم يبقى سوى السحب على المكشوف.. عندئذ تكون القارعة.
بيد أن ثقتى كبيرة في قدرتنا على تجاوز اللحظة الحرجة وعدم الاستسلام للرقاد تحت الحجاره, كما يقول الشاعر الكبير أنسى الحاج, والتحرك نحو نهوض كبير.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern