طه حسين يناقش مشاكل 2008

فى الأحوال الطبيعية يكون لكل زمن قضاياه ومشاكله.. وتصبح مهمة المعاصرين من رجال الفكر والسياسة وأهل الاختصاص هى كيف يمكن أن تحل هذه القضايا والمشاكل ليس بمنطق الحلول المؤقتة والتسكينية, وإنما بمنهج مستقبلى يضمن التقدم للأجيال القادمة, ولكن أن تظل القضايا المطروحة منذ عقود هى نفسها المطروحة فى الوقت الراهن, فذلك أمر يحتاج إلى وقفة حاسمة, لأن الدلالة المباشرة لذلك هو أننا محلك سر وأن هناك طرفاً من مصلحته أن يبقى الأمرالواقع على ما هو عليه.. ما الذى يجعلنى أقول ذلك؟


خلال الأيام الماضية, كان هناك حديث حول قضيتين, الأولى قضية السياسات الاجتماعية والثانية قضية التعليم.. وتشاء الصدفة أن يقع فى يدى كتاب يضم مقالات لم تنشر من قبل للدكتور طه حسين يحمل عنوان “الديمقراطية” (جمعها الأستاذ إبراهيم عبد العزيز الباحث الأدبى).. تناول فيها الكثير من القضايا من ضمنها التعليم وأهمية العناية بالبعد الاجتماعى فى السياسات الحكومية .. وعلى الرغم من أن هذه المقالات كتبت فى أربعينيات القرن الماضى, فإنها لم تزل صالحة للأخذ بها وكأنها كتبت اليوم..فماذا قال العميد طه حسين؟
حول السياسات الاجتماعية يقول طه حسين:”إن السياسة هى الأداة التى توجد حكومة تمكن من إنصاف الضعيف, والفقير والغنى, وتحقق العلاقات التى تقوم على العدل بين الافراد, وبين الجماعات وبين الطبقات”.. و “الواقع أن كل نظام من النظم يتصل بحياة الجماعة لا قيمة له ولا خير فيه إذا لم يكن الغرض الذى يرمى إليه هو تحقيق العدل أو محاولة تحقيق العدل, سواء كان تحقيق العدل هذا شيئا واقعيا بالفعل, أم غرضا يرمى إليه الذين يضعون النظم ويدعون إلى الإصلاح”.. “فالمساواة لا تأتى إلا بتحقق العدل الاجتماعى بأدق ما يمكن أن يتحقق به العدل الاجتماعى, فلا يجوع إنسان ليشبع إنسان آخر, أو ليشبع إنسان ليجوع إنسان آخر”.. “مساواة تجعل الناس سواء أمام الثمرات التى قدر للناس أن يعيشوا عليها”.. ويخلص العميد إلى أن:
 ” للشعب حقوقاً يجب أن تؤدى إليه, وأول هذه الحقوق أن يرد البؤس عن الشعب ما وجدت الدولة سبيلا إلى رد البؤس عن الشعب.. فلا يدفعه الجوع والبؤس إلى ما لا يلائم الكرامة”.

 وحول التعليم يطرح طه حسين رؤية تربط بين التعليم والتقدم والديمقراطية وحق الجميع بغض النظر عن أى اختلاف فى أن تتوفرلهم فرصة متساوية فى أن يتعلموا .. فبداية “الجامعة المصرية هى وحدها مصدر النهضة من قيود المحافظة الشديدة أولا ومن قيود الخوف والإشفاق من بطش السلطان ثانيا”.. ويؤكد أنه لا رقى “للتعليم إلا بالديمقراطية”.. كيف؟
فالتعليم , فى نظر العميد ” إما أن يكون خيرا أو شرا, فإذا كان خيرا فاليمقراطية تدعو إلى المساواة, فيجب أن يشترك المصريون فى الخير. وإذا كان شرا فيجب ألا يستأثر بهذا الشر طبقة دون أخرى, فيجب أن يتساوى الجميع هذا الشر. فلابد من أن يتعلم المصريونتعليما ممتازا سواء أكان التعليم فى نفسه خيرا أم شرا”. ويشدد طه حسين على:
 “ألا يرد مصرى عن التعليم مهما تكن ظروفه”.

القارئ لما كتبه طه حسين فى هذه المقالات يمكنه أن يلحظ – بالإضافة إلى رؤيته المتقدمة فى التعاطى مع كثير من المشكلات وإحاطته الموسوعية بالتاريخ المصرى الأوروبى والإسلامى, ودحضه الكثير من الآراء آنذاك والتى لم يزل يرددها البعض فى عصرنا هذا. كيف أن ماتناوله العميد من قضايا وإشكاليات فى محاولته للإجابة عن المطروح من اسئلة.. يعد من الملفات المفتوحة والمثارة لعقود تقترب من القرن نعيد اجترارها ونعالجها بعقل مراوغ, لأن هناك من له مصلحة فى بقاء الأمر الواقع على ماهو عليه.. والسؤال هل من المعقول أن نطرح نفس الأسئلة كل 50 سنة.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern