الحداثة الوهمية.. كرة القدم نموذجاً

(1) من يتابع الِان الكروى فى مصر بهياكله التنظيمية: الفنية والإدارية, وصفقاته المليونيةالخاصة ببيع وانتقال وإعارة اللاعبين, واستثماراته المليارية من خلال شركات متنوعة الأنشطة, ورعاته الرسميين, وبرامجه التحليلية العديدة سواء فى القنوات العامة أو فى الفضائيات الرياضية المتخصصة التى تتأسس بكثرة فى الفترة الأخيرة.. والعبارات التى يرددها المعلقون من عينة “الثبات الانفعالى”.. و”الاتزان التكتيكى” و”سرعة الارتداد من الخلف إلى الأمام” و”الوعى الخططى” و”الراحة الإيجابية والراحة السلبية”.. إلخ يظن أننا بتنا من المستويات الكروية العالمية, وأننا قطعنا شوطاً كبيراً فى هذا المقام.
بيد أن متابعة الأسابيع الأخيرة من الدورى الكروى المصرى العريق المعروف بـ “الممتاز” تكشف “بامتياز” عن المستور, ألا وهو مدىبعدنا عن التقدم فى مجال كرة القدم… كيف؟
(2) منذ بداية الدور الثانى, لم تكن المنافسة على قمة الدورى, وإنما على عدم الهبوط بين عشرة أندية, يلاحظ أن الأندية المشاركة فى الدورى 16 نادياً. ولأن بطولة الدورى حسمها الأهلى مبكراً دون منافسة, لم يجد الإعلام أمامه إلا أن يتابع الأندية التىتتنافس على الهبوط! وحسنا فعل, فلقد كشفت هذه المتابعة , خاصة فى الأسابيع الثلاثة الأخيرة من عمر الدورى, عن الوجه الحقيقي للكرة المصرية.. على سبيل المثالمن حيث:


• الأداء الكروى الذى يتسم بالعشوائية والانزراعية “بحسب الموسوعى الراحل عم نجيب المستكاوى”, وهو ما أكده أحد المحللين فى تعليقه على مباراة من مباريات الأسبوع الأخير” إن ما شاهدناه كرة تعود إلى الستينيات” ولا تمت بصلة للكرة الحديثة.


• مستوى الملاعب.. فلقد ساعد النقل التليفزيونى لمباريات الهبوط أن نشاهدالأوضاع السيئة للملاعب والمدرجات خاصة فى الأقاليم والتى يغيب عنها الجمهور فى الأغلب .. يشار هنا إلى الملاحظة المهمة للكابتن حمادة إمام عن الدورى الإنجليزى, وكيف أنه الدورى الكامل العدد.. حيث المدرجات ممتلئة عن آخرها مهما كان طرفا المبارة.
• التعليق الكروى.. المفرط فى حماسته ولا يعكس ما يراه المشاهد من أداء غير طيب.. وإصرار على استخدام مصطلحات كروية أجنبية الأصل مترجمة للإيحاء بأن هناك شيئا له قيمة يحدث (مثل التى أوردناها فى البداية).. بالإضافة إلى التلفظ غير الصائب بكلمات انجليزية أثناء التعليق من عينة “بِيلانتى” (ناطقا الباء دون تشديد) قاصدا بها كلمة “بينالتى” أو جزاء ..Penalty وهكذا.


• غيبة المعايير العلمية فى الاختيار والاستغناء عن اللاعبين.. والنتيجة صفقات احترافية غير موفقة.
ملاحظات كثيرة يمكن إضافتها تشمل كل عناصر اللعبة لا تسمح المساحة لذكرها .. بيد أن من أخطر ما حدث فى الأسبوع الأخير للدورى هو شبهة التواطؤ التى حدثت للإبقاء على بعض الأندية فى الدورى الممتاز – تجاوزا – ونشير لملاحظة مهمة للناقد المتميز حسن المستكاوى يقول فيها إن ما يقرب من أهداف الأسبوع الأخير تم تسجيلها فى ثلث الساعة الأخير من زمن المباريات .. وبالأخير مكافآت مالية لمن نجح فى عدم الهبوط! ولا تعليق.
(3) أتصور أن حال كرة القدم فى مصر يماثل حال كثير من القطاعات.. فمن حيث الشكل تتوفر كل العناصر المطلوبة لوجود لعبة كرة القدم: فالهياكل التنظيمية مأخوذ بها والأدوات التقنية الحديثة يتم استحضارها .. إلخ ولكن المضمون يقول إننا بعيدون كل البعد عن المعايير المتعارف عليها عالمياً.. إنها ” الحداثة الوهمية”.


أى امتلاك كل أشكال التحديث المطلوبة لتنفيذ النشاط ولكن دون امتلاك أسبابه أو “سر الاختراع”.. وعليه يكون العائد ضعيفاً ولا يتناسب مع حجم الاستثمارات التى يتم ضخها ولا مع وضعية الهياكل التى يتم تكوينها, وبالأخير ضآلة أعداد المستفيدين بالنشاط.. والمفارقة أنه فى الدول التى قطعت شوطاً فى هذا المجال نجد “معادلة معكوسة”.. فالتقدم يعنى توسيع قاعدة المستفيدين من ممارسى كرة القدم والمسجلين رسميا فى الجهة المنوط بها إدارة اللعبة أخذا فى الاعتبار عدد السكان.
إن استمرار التعايش مع الحداثة الوهمية من دون تغيير خطر كبير.. إن مواجهة حقيقية نحتاجها ليس فى مجال كرة القدم فقط وإنما فى شتى المجالات.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern