أى مستقبل نريد

المستقبل الذى نريد كان هذا هو محور نقاشات مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الذى عقد فى عام 2012، والذى عرف بمؤتمر «ريو + 20»، تذكيرا بمؤتمر الأرض الذى عقد قبل 20 عاما.

فى هذا المؤتمر بلور المشاركون رؤيتهم من أجل مواجهة ما يعانى منه سكان الكوكب من جراء الآثار السلبية للنظام الاقتصادى العالمى من: تنامى نسبة الفقراء والمهمشين، واحتكار الثروات والصناعات والخدمات، وسوء الأحوال المعيشية لمليارات من البشر، وسوء استغلال البيئة، وغياب الفرص المتكافئة بين البشر، وتزايد معدلات البطالة، وسوء الخدمات التعليمية والصحية تحديدا فى العديد من دول العالم، وتزايد معدلات الإصابة بالأوبئة ومن ثم الوفيات، وتزايد التهديدات البيئية الناجمة عن تغير المناخ،…،إلخ. وتبلورت هذه الرؤية فى 17 هدفا على دول العالم أن تعمل على تحقيقها حتى 2030 تشمل ثلاثة محاور أساسية: يتعلق المحور الأول بجودة الحياة، ويتناول المحور الثانى البنى التحتية والموارد، ويمس المحور الثالث البيئة.وتم الاتفاق على مجموعة من الأهداف فى كل محور من المحاور سالفة الذكر.

أ ــ : حول جودة الحياة؛ على كل دولة أن تحقق الاهداف الستة 1 ــ القضاء على الفقر بكل صوره. 2 ــ تأمين حياة صحية للجميع. 3ــ تأسيس نظام تعليمى جيد وجاد يضمن الإنصاف. 4 ــ تحقيق المساواة بين الجنسين. 5 ــ الحد من أى شكل من أشكال اللامساواة. 6 ــ استهداف تحقيق مجتمع التنمية المستدامة.

ب ــ حول البنى التحتية والتعامل مع الموارد؛اتفق المجتمعون على ضرورة تحقيق الأهداف السبعة التالية: أولا: القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائى وتحسين التغذية والترويج للزراعة المستدامة. ثانيا: تأمين إدارة مستدامة للمياه والصرف الصحي. ثالثا: ضمان الحصول على الطاقة الحديثة غير الضارة بالإنسان والطبيعة بأسعار معقولة. رابعا: دعم تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة منتجة وضامنة لفرص العمل. خامسا: بناء بنية تحتية مرنة وتعزيز الابتكار. سادسا: ضمان مجتمعات جديدة صحية وخضراء وآمنة. سابعا: الأخذ بأنماط انتاج تضمن التنمية الشاملة.

ج ــ حول البيئة؛فلقد تم التركيز على أربعة أهداف كما يلي: أولا: الالتزام باتخاذ كل الإجراءات لمكافحة تغير المناخ وتأثيراته السلبية على الكوكب والتى قد تؤدى إلى تدميره أو إحداث كوارث بيئية جسيمة. ثانيا: حماية الموارد البحرية من بحيرات وبحار ومحيطات وتوظيفها من أجل التنمية المستدامة. ثالثا: تدعيم سبل الشراكة بين الدول من أجل التنمية المستدامة. رابعا: مكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وتطوير النظم البيئية التى تحافظ على الطبيعة. بالطبع، كل هدف من هذه الأهداف يتضمن الكثير من التفاصيل المعقدة حول: دلالته، وكيفية تحقيقه، وضمانات تحقيقه نوعيا وليس كميا، ومن ثم الاطمئنان إلى تحقيق الأثر المناسب والعائد المطلوب. والأهم هو الربط بين هذه الأهداف بعضها البعض. فلم يعد مقبولا من المنظور التنموى التعاطى مع كل هدف بمعزل عن باقى الأهداف. وهو أمر فى غاية الأهمية. وبلغة أخرى، فلقد صار المستقبل الذى يريده العالم؛ متجاوزا مشروع التنمية بمعناه التقليدى «الأحادى الهدف»، إذا جاز التعبير. فالتنمية المستدامة تتكون من: «حزمة» أهداف «Bundle»؛ لابد أن تتم رؤية المستقبل المطلوب بلوغه فى سياقه. فلا يمكن القضاء على الفقر دون نظام اقتصادى جوهره عادل وبيئته وبنيته التحتية داعمة للرفاه. ولا يمكن القضاء على الجوع دون نظام زراعى حديث ورشد مائى وبيئة خضراء ونظام غذائى متقدم، وهكذا.

وبعد، لقد حرصنا أن نتتبع مسيرة المصطلح لتأكيد أمرين هما: الأول: التمييز بينه وبين دعوات قديمة ومتخلفة وفاسدة الصلاحية حول الأخذ «بالنمو الاقتصادي». والثاني: أن التنمية المستدامة عملية مركبة تتعاطى مع واقع معقد وإشكالي. وتعكس الحوارات بشأنه كيف أن هناك رغبة إنسانية لمواجهة الواقع الإنسانى المتدهور. ويتضح ذلك من خلال العديد من الدراسات النقدية لأحوال العالم. وتأكيد قيم العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية من خلال بحوث معمقة تتناول الكثير من التفاصيل تحت هذه العناوين العريضة. ونحيل هنا للكثير من الكتب والدراسات والخطط التى صدرت فى العامين الماضيين حول موضوع «الاستدامة» من زوايا فلسفية، ولاهوتية، واخلاقية، ومجتمعية، واقتصادية،…،إلخ..

لذا فإنه لا يوجد خيار آخر من أجل ضمان مستقبل أفضل. فإما أن نحاول الأخذ «بالتنمية المستدامة» بحسب الأصول لا القشور. أى بحسب المعايير والضوابط التى تؤمن التعاطى المركب لها وبكل أهدافها. ومن ثم التحرر من آسر المؤسسات الاقتصادية التاريخية الهرمة التى تعمل لمصلحة القلة الاحتكارية الكونية فى اتجاه تنمية ذاتية وطنية مستقلة شاملة ما يحتاج إلى قدرات رؤيوى وعملية عالية. وتوفر كما أشرنا من قبل الالتزام السياسي، والابتكار الاقتصادي، والشراكة المواطنية…وهذا هو المستقبل الذى ينبغى أن نريده…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern