التنمية المستدامة.. التزام سياسى وابتكار اقتصادى

منذ تم التوافق الكونى على الالتزام بتطبيق منهج التنمية المستدامة 1987. تم الالتزام به من قبل دول المنظومة الدولية. كذلك تطوير المفهوم فى ضوء الواقع ومستجداته.

فلقد أخذ المفهوم فى التبلور (كما أوضحنا فى مقال الأسبوع الماضي)منذ عام 1969 حتى أعلن ـ بوضوح ـ عام 1987 من خلال تقرير رئيس وزراء النرويج «جرو براندتلاند»، والذى عرف باسمها. وفى عام 1993 أعلنت الأمم المتحدة تأسيس مفوضية للتنمية المستدامة (بعد عقد ثلاثة مؤتمرات: اثنان في1988؛أولهما حول المتغيرات المناخية، وثانيهما كان للسبعة الكبار. أما الثالث فكان المؤتمر الشهير الذى عرف بمؤتمر الأرض الذى عقد فى ريو بالبرازيل عام 1992). ولعل من أهم ما توصل إليه المؤتمرون من خبراء وسياسيين وأكاديميين،…،إلخ، هو «أن الكوكب بات فى خطر»؛ من جراء الاستنزاف الجنونى للموارد الطبيعية. والاصرار على استخدام تقنيات صناعية ضارة بالبيئة تنذر بكوارث حقيقية.

وعليه، تولد يقين، هو استحالة التعاطى مع المشاكل المستفحلة على كوكب الأرض سواء فى الدول التى تصنف غنية أو فقيرة، كل على حدة بمعزل عن بعضها البعض. فزمن الخطط الموازية لبعضها البعض قد ولي. فلا يمكن حل قضية الفقر دون الأخذ فى الاعتبار ضمان حماية الأرض بما تضم من موارد طبيعية. ولا يمكن الحديث عن حياة صحية بغير هواء نقى وبيئة غير ملوثة وزراعة آمنة،…،إلخ.

لم تكن المعركة سهلة. فلقد قاومت «الكارتلات» الكبرى هذا الجهد. ويأتى فى هذا السياق مقاطعة بوش الابن حضور المؤتمر العالمى للتنمية المستدامة الذى عقد فى جوهانسبرج بجنوب إفريقيا عام 2002. ما أفصح عن ضرورة النضال من أجل جعل التنمية المستدامة «حالة ملزمة»؛ لمستقبل أفضل لصالح الإنسانية.

وأثمر هذا الجهد فى 2012، فى ذكرى مرور 20 عاما على مؤتمر ريو. حيث نظمت الأمم المتحدة مؤتمرا عالميا حول التنمية المستدامة تحت عنوان: «المستقبل الذى نريد» «The Future We Want» .

فى هذا المؤتمر تحديدا تم التأكيد على أن الأخذ بالتنمية المستدامة «كحزمة» «متشابكة العناصر»،يعنى القبول بثلاثة شروط أساسية كما يلي: الأول: «تجديد الالتزام السياسي». الثاني:الابتكار الاقتصادى.

الثالث: «الشراكة بين المواطنين».

فمن خلال تقييم الحصاد التنموى الذى أخذت به الدول بعد الحرب العالمية الثانية فى الشمال والجنوب على السواء. كذلك مراجعة النظام الاقتصادى العالمى بمراحله المتعاقبة منذ أزمة الكساد الكبير فى 1929 إلى أزمة 2009. توافقت الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدنى العالمى على أنه لا يمكن تطبيق «التنمية المستدامة» إلا كحزمة متشابكة العناصر شريطة ما يلي:

أولا: «التزام الأنظمة السياسية بالانحياز إلى مبدأ التنمية المستدامة بحسب ما تم التوافق عليها وبما تفرضه من مراعاة للعدالة وللمساواة والجودة والحفاظ على البيئة،…،إلخ. ما يتطلب تجديدا للرؤية السياسية فى توسيع دائرة النظر للطبقات الاجتماعية بشرائحها المستجدة. وإعادة الاعتبار للتحليل الاجتماعى فى وضع التصورات والخطط والسياسات الاجتماعية.

وثانيا: العمل من جانب أصحاب الشركات والصناعات المتنوعة على مراعاة البيئة ومستقبل الأرض فى كل الكوكب. وهو ما اصطلح على تسميته «الاقتصاد الأخضر». والبحث عن مصادر طاقة آمنة أو تطوير القديم منها ليكون آمنا. كذلك العمل على جعل مفهوم «المسئولية الاجتماعية» موضع التطبيق. ليس بالمعنى الذى فهمه البعض باعتباره نوعا من المال الذى يخصصه رجال المال والأعمال للفقراء ومن ثم يقترب الأمر من الخيرية Charity. وتأسيس ادارات وأقسام للمسئولية الاجتماعية فى الشركات الكبري.(أو ما بات يعرف ب «Corporate Citizenship» وهو ما كتبنا عنه مبكرا).وفى هذا المقام نشير إلى أنه تم إبداع ما عرف «بمعايير» لقياس الاستدامة.أو إن جاز التعبير ما يمكن أن نطلق عليه:«Sustainability Meters/Measurements«…(يمكن مراجعة «استدامة» لجيريميكارادونا ـ 2014، ويعد باكورة كتب عديدة صدرت فى هذا المقام ولاتزال حول هذا الموضوع الذى بات يشغل العالم الآن خاصة إذا ما ربطنا هذا الموضوع بإشكالية «التفاوت واللامساواة» التى يواجهها العالم).

ثالثا:لايمكن أن تتحقق التنمية المستدامة إلا بالشراكة مع المواطنين وبحضورهم وبالتشاور معهم من خلال المستويات الديمقراطية المتنوعة. فالتنمية من أعلى لا يكتب لها الاستمرارية وإن طالت ثمارها الجميع. والتنمية التى للقلة حتى وإن التزموا بتساقط الثمار للأغلبية لا ديمومة لها…لذا فلا مفر من: الالتزام السياسي، والابتكار الاقتصادي، والشراكة المواطنية…ولكن ماذا عن حزمة «التنمية المستدامة» وعن عناصرها التى تجاوزت الـ17 عنصرا…ونتابع…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern