الاقتصاد غير الرسمي، أو الاقتصاد غير المنظم، أو الاقتصاد الموازي، أو اقتصاد الظل،… من القضايا المهمة التى يجب أن تشغل بال المعنيين بمستقبل النموذج التنموى المصرى المطلوب تبنيه من: اقتصاديين، وتنمويين، وسياسيين، وقانونيين،…،إلخ.
فكما أوضحنا فى مقال الأسبوع الماضي، يمثل «اقتصاد الظل»؛ نحو «35% من الناتج المحلى للبلاد، كما يستوعب، بحسب بعض التقديرات، نحو ثمانية ملايين عامل”. وذلك وفق الدراسة المهمة المعنونة: “مداخل الدمج الآمن للاقتصاد غير الرسمى فى مصر»؛ للباحثين ابراهيم الغيطانى وأسماء الخولي، والصادرة فى سلسلة دراسات بدائل التى تشرف عليها الدكتورة إيمان رجب، عن مركزالأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. فعلى الرغم من أن هذا النوع من الاقتصاد، يبدو أنه يقدم حلولا للتداعيات السلبية لخياراتنا الاقتصادية التاريخية. فإنه لا يستقيم أن تنطلق دولة من الدول ما لم تحل إشكالية وجود اقتصاد رسمى وآخر غير رسمي، لما يحدثه ذلك من مخاطر جمة. كما أن نشاطات ما يمكن أن نطلق عليه “اقتصاد الظل” تمارس فى ظروف سيئة، ودون حماية للعاملين فيها، او تأمين اجتماعى أو صحي، أو تقدير حقيقى لقيمة العمل،…، إلخ. بالإضافة إلى عدم قانونية أوضاع المنشآت التى تمارس فيها هذه النشاطات الاقتصادية غير الرسمية.
لذا اجتهد الباحثان فى تقديم تصور «لدمج» هذا «الاقتصاد الموازى» الخارج عن أى تحكم أو رقابة أو مراجعة أو محاسبة، لما يتسم به من طبيعة سرية.حيث يعتبراه، قيمة مضافة إذا تم إدماج النشاطات الاقتصادية «لاقتصاد الظل» ضمن منظومة الحسابات القومية للاقتصاد الرسمي. شريطة أن يتم ذلك وفق استراتيجية شاملة تتعامل مع كل أشكال «اقتصاد الظل»، التسعة؛ بحسب الباحثين وذلك كما يلي: الاول: القطاع الصناعى غير المستكمل إجراءات التسجيل والتراخيص اللازمة لتسيير دولاب العمل كما تحدده التشريعات والقوانين والشروط الصناعية المتفق عليها. ويشير البحث إلى ملاحظة مهمة تتعلق بالتسجيل فى كل من السجل التجارى واتحاد الصناعات، حيث إن المسجلين بالسجل التجارى 90 ألفا فى حين أن من حصل على عضوية اتحاد الصناعات 43 ألفا فقط أى أن هناك 47 ألفا لم يستخرجوا سجلا صناعيا لمباشرة عملهم. الثاني: الباعة الجائلون المنتشرون فى الأسواق العشوائية فى القرى والمدن. ويقدر حجم تجارة هؤلاء الباعة (نحو 5 ملايين بائع) من 15 إلى 80 مليار جنيه سنويا. الثالث: سوق الأموال المدفوعة دون مقابل، او ما يعرف «بالبقشيش». الشكل الرابع: ويمتد إلى مجال التعليم متمثلا فى الدروس الخصوصية والكتب الخارجية. الشكل الخامس: ونجده فى النقل والمواصلات حيث لا يلتزم أحد بالتعريفة المحددة. بالإضافة إلى الحضور الطاغى «للتوك توك» كوسيلة نقل داخل الأحياء العشوائية، ومنها الى أحزمة الميادين والأحياء الكبيرة. الشكل السادس: سوق الدولار أو ما يعرف تاريخيا بالسوق السوداء لبيع وشراء العملات الأجنبية والتى يبلغ التعامل فيها ـ بحسب وزارة الاستثمارـ بنحو 30 مليار دولار.الشكل السابع: الرشاوى من أجل تسيير المصالح الخاصة التى تكون شرعية وقد تكون غير شرعية. ويقدر الجهاز المركزى للمحاسبات أنه فى عام 2014 قد تم تداول ما قيمته 200 مليار جنيه فى هذا المقام. الشكل الثامن: لم ينج مجال الإسكان من اقتصاد الظل خاصة فى مجال تسيير البناء على الأراضى الزراعية. وأخيرا الشكل التاسع: العمل دون تسجيل رسمى داخل القطاع الرسمى مما يفقد الدولة أن تحصل على حقها من الضرائب على الدخل.
إن تعدد أشكال «اقتصاد الظل»، وحجم الأموال التى تدور فيه يؤدى إلى خطر كبير على الاقتصاد الرسمى لسببين هما: الأول: إقبال المواطنين على التعامل مع اقتصاد الظل حيث يتجنب أى معوقات أو ضرائب حيث يدفع ثمن الخدمة أو السلعة فقط ذلك لعدم خضوعها لأى ضرائب. الثاني: الأخطار الكبيرة على العاملين فى هذا القطاع وعلى المنتفعين منه على كل المستويات.
الخلاصة، لا يمكن من البدء فى تنفيذ اى مشروع تنموى مصرى دون دمج الاقتصاد غير الرسمي. ما يحتاج الأمر إلى بلورة استراتيجية شاملة تعتبر هذا الاقتصاد قيمة مضافة للبنية الأساسية الاقتصادية المصرية. ويلزم ذلك وضع حزمة من السياسات تشمل: أولا: إجراء إصلاحات ضريبية شاملة، وثانيا: إعداد مجموعة من التشريعات تهدف لتيسير الدمج فى الاقتصاد الرسمى، مع ثالثا: توفير تمويلات مشجعة لذلك. ورابعا: تبسيط الإجراءات الإدارية.
ولعل من أهم ما طرحه الباحثان لدمج «الاقتصاد الموازى الضخم» هو أن يتم ذلك بعد دراسة شاملة لكل تفاصيل ما أطلقا عليه: «تباينات الأنشطة المختلفة للقطاع غير الرسمى». فما يصلح لدمج القطاع الصناعى لا يصلح لقطاع النقل. كذلك ما قد ينفع فى دولة من الدول لا ينفع ـ بالضرورة ـ فى مصر. تحية للباحثين فى محاولتهما إلى تقديم رؤية علمية لحل إشكالية معقدة. أرجو أن ينتفع منها كل من: صانعى التشريعات والسياسات…ونتابع.