11/9 .. و13/11...ما الفرق؟

بعيدا عن لعبة الأرقام وما يترتب عليها من صياغات ذهنية مثيرة، والحرص علي عدم الوقوع في فخ المقارنات الشكلية…فإن ما جري في باريس، الثالث عشر من نوفمبر الجاري، لا يقل بأي حال من الأحوال، إن لم يفقه، عن ما جري في الولايات المتحدة الأمريكية قبل 14 سنة، أو ما عرف بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001…بيد أن هناك فروقات نوعية عدة بين الحدثين؟ ويرجع الاختلاف بين الحدثين:»11/9 و13/11»؛ إلي ثلاثة أسباب رئيسية.

أولا: اختلاف السياق الكوني؛ لابد من التمييز بين سياق كوني تقدم فيه أمريكا نفسها إلي العالم «كإمبراطورية»، وكقوة منفردة ومتفردة حاكمة للعالم مطلع الألفية الثالثة. يحكم هذه الإمبراطورية تحالف بين اليمين السياسي واليمين الديني وذلك من خلال بوش الابن في 2001. كانت صيغة الحكم الإمبراطورية اليمينية: السياسية الدينية، تعيد تصنيف العالم دينيا وثقافيا وحضاريا علي قاعدتي الخير والشر. تحركت الإمبراطورية الجديدة من خلال إطلاق حروب تنطلق من قاعدة التصنيف الديني علي إعادة تركيب العالم. ويمكن اعتبار الحرب علي العراق نموذجا لذلك.أما في حالة تفجيرات باريس فنحن أمام سياق كوني يتحرر ـ فيما أظن وقد كررنا ذلك كثيرا ـ من كل ما يتعلق بالحرب الباردة التي تقوم علي تقسيم العالم وفق أيديولوجيتين نسبيتين هما: الاشتراكية والرأسمالية. كذلك التحرر من محاولة تقسيم العالم دينيا وفق مفهومي الخير والشر.وهي المحاولة التي لم يقدر لها الحياة كثيرا أيضا رأسمالية حكمت العالم منذ تاتشر/ريجان، تبين فشلها من خلال الفجوة الكبيرة التي احدثتها بين الأغنياء والفقراء. كما طالتها مراجعات وفيرة بحثا عن العدالة والمساواة. سياق كوني ينحو إلي الشراكة بين القوي القديمة والبازغة. فلا بأس ان يستخدم الروس طائراتهم من خلال قاعدة شارل ديجول البحرية.ولا بأس من تكون العديد من التشكيلات الاقتصادية، واشكال التعاون المتنوعة رغم الاختلافات.ما يعني في المحصلة قبول كثير من بلدان العالم علي اختلافها بالصيغة الغربية ولنقل الصيغة الاقتصادية التاريخية ـ أردنا أو لم نرد. وعليه، نجد الشراكة الكونية الجديدة تجمع بين: الهند والصين، وماليزيا، والمكسيك، والبرازيل، وجنوب إفريقيا، وروسيا،…،إلخ، بالإضافة لأوروبا وأمريكا. أو مأ أشرنا إليه منذ نحو عامين: «الغرب الحيوي الكبير»…

ثانيا: التحولات التي طالت بلدان العالم؛يجب ادراك أن بلدان مطلع القرن ليسوا هم بلدان منتصف العقد الثاني منه. فبداية من عام 2005 طال العالم الكثير من المتغيرات. فهناك دول الموجة الديمقراطية الخامسة: البرازيل وتشيلي وماليزيا التي باتت تحتل مكانة علي الخريطة الدولية. وهناك دول موجة الحراك المجتمعي مثل مصر وأوكرانيا. ولم تنج أوروبا وأمريكا من التحولات. راجع ما كتبناه حول تحولات الداخل الأمريكي في ثلاثة مقالات مؤخرا في هذه المساحة) وكلها كانت تحولات تراجع طبيعة دولة الرفاه، وكيفية معالجة أشكال «اللامساواة» الحاضرة بقوة في الواقع. وهي كلها تحولات إيجابية لأنها تحاول أن تبحث عن إجابات لأسئلة الحاضر من أجل المستقبل. بينما،وفي المقابل، تعيد قوي التشدد العنفية إعادة طرح نفس الأسئلة التي لم تنجح في الإجابة عنها منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي.

ثالثا: الدلالة الرمزية للتفجيرات؛ في حالة 11/9، سوف نجد أن جماعات التشدد الديني العُنفي العابرة للحدود قامت بعملية القرن الجديد الكبري مستهدفة رموز الإمبراطورية الأمريكية: السلطة السياسية/الدينية(البيت الأبيض)، والقوة(البنتاجون)، والمال(مبني التجارة العالمية). أما في حالة 13/11، فلقد تم استهداف نمط الحياة الغربي في إجازة نهاية الأسبوع. حيث يذهب الجميع للاستمتاع والترويح عن أنفسهم من خلال: الموسيقي، والتواصل الإنساني، ومشاهدة مباراة كرة قدم. وأليس في هذا المقام يمكن أن نشير إلي ان لاجئي المنطقة علي اختلافهم عندما يختارون أوروبا ملاذا لهم إنما يعني هذا اعترافا ضمنيا بان هذا هو المكان الآمن للعيش. أو بلغة أخري النموذج المثالي الذي يجب أن نصبو إليه. ولا يعني ما سبق اننا لا ندرك التمييز بين الغرب الاستعماري والذي يمكن أن يجدد نفسه ويجدد من آليات التبعية وبين الغرب الحضاري الذي يراه المواطن النموذج الأمثل. كما يشار هنا إلي أن كثيرا من القوي البازغة كروسيا والصين باتت تسلك سلوكا إمبرياليا في الكثير من المساحات الجغرافية. وقبل ذلك لا ينبغي نسيان الدور الأمريكي الفاشل في العراق ثم انسحابها لمصلحة فاعلين محليين غير نظاميين كانوا هم وقود الجماعات العنفية الإرهابية. وما يترتب علي ذلك الآن علي أرض الواقع.

ومن ثم فإن مواجهتنا لتداعيات الحدث الباريسي وللإرهاب الجديد، يجب أن تتجاوز المواجهة النمطية ذات البعد الأمني فقط والتي اختبرناها في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي.. فالعالم ليس هو عالم 11/9. هو عالم جديد.، جديد. بفعل تحولات السياق الكوني والداخل الوطني في كثير من البلدان. ما يستوجب أن نعيد النظر في الكثير من التوجهات والسياسات ونصنع مساحات شراكة مع قوي العالم الجديد…ونتابع…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern