حق الشهيد ..وحق نضال المصريين عبر العصور

يقوم جيشنا الوطنى، أحد أعمدة الدولة الوطنية الحديثة المصرية ـ بعمل تاريخى جليل، على مدى الأيام الأخيرة. ذلك بإطلاقه ماسمى «بعملية حق الشهيد»
فى سيناء. ويقينى أن هذه العملية ـ فى العموم وبعيدا عن أى تفاصيل ـ هى معركة تاريخية بكل المقاييس.

فالدفاع عن مصر: الجغرافيا الثابتة تاريخيا، وعن حدود الوطن المصرى المتعارف عليها مهمة مقدسة، فى ظل تحركات حثيثة لتغيير خرائط المنطقة أمر لا يمكن القبول به. خاصة أن اى تنازل أو تغاضى يعنى القبول تلقائيا بتفكيك الدولة. وهو ما دعا له برنارد لويس فى مطلع 2007بقوله: «ضرورة العمل على تفكيك الدولة الوطنية النابوليونية الحديثة ودفع المنطقة فى حروب ممتدة دينية ومذهبية». وقد علقنا عليه فى حينه بعد أن ترجمنا النص كاملا. ونبهنا إلى خطورة هذه الدعوة، فى مقال وحيد تناول هذا الشأن آنذاك. وربطنا هذه الدعوة بما ذكرناه فى كتابنا: «الحماية والعقاب: المسألة الغربية والشرق الأوسط ـ 2000». وهو الكتاب الذى عددنا فيه ما أطلقنا عليه: ست مراحل للتجزئة والإلحاق.

وفى هذا السياق، يهمنى أن أشير إلى الأهمية القصوى لشبه جزيرة سيناء، من جهة. وإلى الحلقة المتشابكة التى تتعلق بمخططات الدول الكبرى تاريخيا فى المنطقة خاصة التى تتعلق بمصر. ففى مرحلة من مراحل التاريخ، بعد منتصف القرن التاسع عشر، طرحت بريطانيا خطة للسيطرة على كينيا وأوغندا، بهدف وقف التوسع المصرى فيهما. فلما احتلت مصر اتفقت مع ألمانيا على اقتسام شرقى إفريقيا، بأن تستولى هى على الجزء الشمالى الذى يقع فيه منطقة البحيرات. وكانت الفكرة الحاكمة لدى البريطانيين، كما نطق بها برونال مندوب بريطانيا فى أوغندا سنة 1804 هي: «من ملك أعالى النيل يتصرف بمصر على هواه ومشيئته ويكون باستطاعته أن يقضى على مصر» (فهو يمد مصر تقريبا بـ10% من احتياجاتها فى وقت التحاريق أو الجفاف). فى هذا الوقت كانت أوغندا واحدة من المناطق المرشحة لإنشاء الوطن القومى لليهود. وعندما فشل مشروع التوطين لأسباب تتعلق ببزوغ الوطنية المصرية والتمسك بوحدة وادى النيل. مباشرة طرح هيرتزل على البريطانيين سيناء كبديل ثان للوطن الصهيونى سنة 1902. بيد ان بطرس غالى (الكبير) رد على الطلب البريطانى بقوله:«إن الحكومة المصرية لا تستطيع التنازل عن جزء أو كل من الحقوق المتعلقة بالسيادة».

مما سبق، ومن جملة أحداث تالية على مدى عقود، يتبين لنا أن مصر تعد هدفا لابد من حصاره بشتى الطرق. وأن الطريق لذلك يكون من خلال سيناء. سواء من خلال قوى معادية أو جماعات عُنفية. أو بتلاقى الاثنين كما رأينا فى اتفاق غزة 20 نوفمبر 2012 الذى سبق الإعلان الدستورى الاستبدادى الذى أصدرته الجماعة بيوم، والذى كان يجعل سيناء رسميا «مرتعا» لما دافعت عنه الوطنية المصرية تاريخيا من خلال أعمدتها الأساسية وفى طليعتها الجيش الوطنى ومن خلفه نضال المصريين من أجل وطن حر ومستقل وعادل.

وعليه، وفى غمرة انشغال المواطنين بهمومهم الحياتية، وبالتشكيل الوزارى وتنافسات القوائم الانتخابية، وبالسجالات الوهمية وبالملفات المفتوحة فى شتى المجالات منذ عقود دون حسم. أظن أنه أولا: لابد من توجيه التحية والتقدير لكل من يشارك فى عملية «حق الشهيد»، باعتبارها عملية راديكالية حاسمة تؤمن مصر ضد مشروعات «آثمة» و«شريرة». ولابد ثانيا: وفورا، أن يلحق بها ـ إن لم يواكبها ـ عملية داخلية متعددة المستويات تكون قادرة على تجديد الدولة المصرية وتحديث أجهزتها والتعبير عن الديناميكية المجتمعية البازغة من خلال تأمين مساحات مفتوحة فى المجال العام: السياسى والمدني، للتعبير والعمل. على قاعدة فهم جمعى تدرك مدى تردى الأحوال الداخلية. ومن ثم وضع المصلحة العامة فى المقدمة وإعلاء المصالح القومية للبلاد المرتبة الأولى فى جدول أعمال الوطن. خاصة أن الحفاظ على المكتسبات والتضحيات الحدودية إنما يعنى ضرورة التقدم داخليا فى شتى المجالات. وربما يكون شعارنا فى عملية دفع الداخل للأفضل هو: «حق نضالات المصريين عبر العصور»، فى أن يعيشوا حياة إنسانية كريمة على قادة المواطنة التامة بين الجميع دون تمييز.

إن الجهاد الوطنى الذى يقوم به الجيش من خلال عملية «حق الشهيد» لابد من «تثمينه» لأنه يعنى بكل بساطة «الحفاظ على مصر الموحدة تاريخيا». كما أن الكفاح المجتمعى الشامل من خلال عملية «حق نضالات المصريين عبر العصور»، الذى لم يتوقف، منذ القدم وإلى حراك 25 يناير وتمرد 30 يونيو، لابد من تفعيلها لأنها تعنى عمليا: «تأمين التماسك الوطنى بين المصريين من أجل التقدم».

إن الشروع فى إنجاز العمليتين هو أمر ضرورى بل شرطى ولازم. فحماية الحدود لابد وأن يسندها تقدم الداخل، والعكس صحيح…إنه «التحول المركب»…ونتابع…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern