المجمع العسكرى الصناعى وتجديد الرأسمالية..(2)

يعد القطاع العسكرى هو «المستهلك الرئيس لمنجزات التقدم العلمى التكنولوجى»…هذه العبارة وردت فى الكتاب العمدة للعالم فؤاد مرسى: «الرأسمالية تجدد نفسها»، الذى نشر مطلع التسعينيات.


ففى هذا الكتاب شرح بدقة ملامح رأسمالية الثورة التكنولوجية، والرأسمالية المتخطية للقوميات، والقادرة على التكيف من خلال عدد من الآليات مثل: هيمنة الرأسمالية المالية، وإعادة نشر الصناعة جنوبا، وإعادة نشر الزراعة شمالا، والتوسع فى مجال إدارة العمال،…،إلخ. إلا أن الآلية الأهم ـ بالمطلق والتى أشرنا إليها فى مقال الأسبوع الماضى هي: «الحرب الدائمة». وهى آلية اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها من خلال استراتيجية :«التوسع»؛ فى شتى الاتجاهات. ولم يستطع أى رئيس امريكى على مدى التاريخ أن يتهرب من «حتمية» الدخول فى حرب أو أكثر، إما مباشرة أو بالتفويض. حتى الرؤساء الذين وصفوا بالمثالية والدفاع عن المبادئ الإنسانية من عينة ويلسون أو التقدمية ودعم الضعفاء مثل أوباما، وغيرهما. نجدهم وقد اضطروا، تحت ضغط المصالح، بالأساس، أن يقرروا التدخل العسكرى المباشر كما حدث فى الحرب العالمية الأولى وقت ويلسون. أو بالتدخل من خلال وكلاء كما جرى مؤخرا فى دعم حلف الأطلنطى بالتدخل فى ليبيا.

وفرضت الحروب الدائمة أن تتأسس لها آلية لإدارتها. وهذه الآلية هى: «المجمع العسكرى الصناعى» الأمريكى فى ذروة الحرب العالمية الثانية. وان توضع الاستراتيجيات والميزانيات القادرة على تعظيم استثمار هذه الحروب فيما هو أكثر بكثير من مفهوم الأمن القومى الأمريكى بالمعنى الضيق للمفهوم…إلى أن تكون هذه الحروب هى الوسيلة الرادعة لبقاء النظام الاقتصادى العالمى الرأسمالى بمحدداته الأمريكية باقيا…و يقول: «ديفيد هارفي» صاحب العمل المرجعى الأبرز «الإمبريالية الجديدة» حول هذه الحروب الدائمة والممتدة» ما يلي: لقد صارت نذير طغيان»؛ وذلك «لما تملكه من تأثير اختراقى عظيم الانتشار ولقدرتها على متابعة مصالحها الضيقة من خلال المبالغة فى التهديدات وافتعال الأزمات الخارجية لكى تبنى اقتصادا حربيا يجعلها أكثر قوة. ولكى تبقى فى قوتها الاقتصادية وجدت الصناعات الدفاعية حاجتها فى تنمية تجارة تصدير السلاح. وصار لهذه التجارة دور أساسى فى تراكم رأس المال الأمريكى، من جهة أخرى كانت سببا فى نشوء عسكرة مفرطة…ومن ثم أصبح «اقتصاد الحرب الدائمة» أحد أهم الطرق فى جعل الليبرالية الجديدة المنهج الذى يجب الأخذ به.. ويؤكد لنا ـ هوارد زين المؤرخ المعتبر صاحب كتاب تاريخ شعب الولايات المتحدة الأمريكية ـ ما سبق فى مجلده العمدة حيث يذكر ما نصه: «لقد عكست عقيدة ترومان ـ تأكيدات حاسمة ـ بأن التحضيرات للحرب ستكون قاعدة «لبيزنس كبير big business»،لفترة قادمة جديرة بالأخذ فى الحسبان…وهو ما تحقق عبر تبلور علاقة حيوية متنامية بين عناصر المجمع العسكرى الصناعي. قد كان منوطا بها أن تحافظ ليس على أمن أمريكا فقط و اقتصادها الداخلى، و…، وإنما على التوجهات الاقتصادية الحاكمة كونيا.. ولأن القاعدة التاريخية تقول إن هناك علاقة شرطية بين التقدم العلمى التكنولوجى وبين نمو الاقتصادات (زراعية/صناعية/معرفية…وما يستجد)، فقد كان من الضرورى أن تتلاقى مصالح المجمع العسكرى الصناعى وجوجول الشركة الرمز للمرحلة المعرفية، التكنولوجية بحضورها الكونى من جهة، وبقدراتها البحثية المتجددة باطراد مذهل.

لذا لابد من فهم دلالة هذا الاندماج والتحالف الجديد بين الشركات الرقمية العملاقة ممثلة فى جوجول وبين المجمع العسكرى الصناعى وهو ما قدمنا به مقالنا السابق…فالأكيد ان جوجول بوضعها الاقتصادى وقدراتها المالية وقيمتها السوقية، ونورث روب جرومان، ولوكهيد مارتين،…،إلخ،(حيث نتحدث حول ما قيمته:500 مليار دولار أو نصف تريليون دولار)، ليست فى حاجة إلى عقود المجمع العسكرى الصناعي. ولكن يقينا المجمع العسكرى الصناعى هو الذى يحتاج إلى توثيق العلاقة بينه وبين جوجول، من أجل الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية المتجددة والتى يمكن تحقق فى شهور قليلة، ما تحقق فى السبعين سنة الماضية…كيف؟

أولا: من خلال التطور التقنى فى نوعية الأسلحة المستخدمة من حيث: تقليل العنصر البشرى والقدرة على توجيه المعدات المختلفة من داخل غرف تحكم لمدى عابر للقارات وفى ظروف صعبة.. ثانيا: الحضور فى الأسواق الدولية عبر الشركات الرقمية والالكترونية العملاقة: «كآبل وديل»، أو ما يطلق عليه استراتيجيا: «الذهاب إلى ما وراء الحدود». ثالثا: الاستفادة من التقنيات العالية الدقة مثل: «تكنولوجيا النانو، والهاى ديفنيشين، والروبوتات،…،إلخ. تقنيات مثل التى يتم ابتكارها فى الأفلام السينمائية التى يتم تصويرها ـ باعتبارها خيالا علميا ـ وتصبح سريعا ألعابا تنافسية فى متناول الأطفال والفتيان والفتيات والشباب…

الخلاصة، يوصف هذا التعاون البازغ فى الأدبيات الأمريكية بمرحلة: «تكيف البنتاجون(وزارة الدفاع الأمريكى فى العولمة»…وأظن الأفضل أن يوصف بأنه مرحلة: «تجديد الرأسمالية».. والتى فى الأغلب تكون لصالح «قلة» فى الداخل الأمريكى وخارجها…ونتابع…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern