هل الغرب وحده يتحمل المسئولية؟

حمل السؤال الذى طرحه صديقى حول ما تضمنه مقال الأسبوع الماضى عن: «مستقبل الشرق الوسط؟» الكثير، خلاصته الواضحة هو أننى «حملت الغرب «المسئولية حول كل ما يحصل فى منطقتنا، وكأن أهلها أبرياء مما يحدث.

علقت على ما طرحه الصديق الدءوب بقولي: أشتم تصورا لديك أننى ممن يؤمنون ويروجون لنظرية المؤامرة، وهو ما لم أقصده، فما حاولت أن ألفت النظر إليه هو أن «مفهوم الشرق الأوسط»، هو مفهوم «سياسى لا جغرافي، مطاطي»، يتم توظيفه بحسب مصالح القوى الكبري. وهو أمر أثبتته وقائع التاريخ من حيث تقسيم المنطقة وكيفية رسم خرائطها الحديثة، ثم لاحقا، دعم الحضور الأمريكى فى المنطقة بشكل مباشر عقب غزو العراق للكويت التلاعب بهذه الخرائط بصورة مدمرة على مدى أكثر من عشرين سنة، شهدت فيها المنطقة «تقسيمات» وتقاسمات» لا حصر لها على أرض الواقع، على خلفية حروب وتقاتل وخطف وإزاحة عرقية وتفجيرات واغتيالات..إلخ، لملايين من الأبرياء.

إلا أنه من جانب آخر لا يمكن أن نتغافل أن «تصورات وخطط الخارج لشكل المنطقة، لا تعنى أنها كان يمكن لها ان تنجح ما لم يكن هناك ظروف موضوعية فى الداخل تسهم فى إنجاح هذه المخططات. وهو ما أطلقنا عليه مبكرا، «جدل الداخل والخارج» ذلك أن هناك تفاعلا بين «الداخل» و«الخارج»: «فبقدر ما ينهض الداخل بقدر ما حصانته عالية ضد مخططات الخارج، والعكس صحيح، فإن تراجع الداخل يعنى تنشيط الخراج للتحرك نحو العمل على ما يمكن أن نعبر عنه بثنائيةالإلحاق  التجزئة«؛ (راجع كتابنا الحماية والعقاب:الغرب والمسألة الدينية فى الشرق الأوسط ـ 2000).

المتتبع لتاريخ المنطقة يمكنه أن يرصد كيف تحققت هذه العلاقة بين الضعف الداخلى والتدخل الخارجى من خلال ست مراحل يمكن أن نوجزها كما يلي: المرحلة الأولي: بدأت بعد 62 عاما من تأسيس الدولة العثمانية، وتحديدا فى 1579 من خلال ما عرف بالامتيازات الأجنبية، التى سرعت بانهيارها مبكرا واضطرت ان تقبل بإصلاحات مفروضة عليها وبعد فوات الأوان دوما. المرحلة الثانية وهى مرحلة الإرساليات التبشيرية والتى بدأت مع منتصف القرن التاسع عشر مع ضعف وترهل المؤسسات الدينية الوطنية: مسيحية وإسلامية. أما المرحلة الثالثة فهى التى يؤرخ لها بوقوع الاحتلال الأجنبى مع نهاية القرن التاسع عشر. ثم المرحلة الرابعة التى تعد نقطة تحول جذرية بالنسبة للمنطقة مع تأسيس دولة إسرائيل فى سنة 1948.

وتأتى العولمة كمرحلة خامسة مع مطلع التسعينيات حيث، بالرغم من إيجابياتها الثقافية، إلا أنها دفعت إلى دمج الدول التى لم تحظ بنجاحات تنموية إلى تبعية كاملة. وأخيرا المرحلة السادسة التى نعيشها والتى بدأت بهيمنة الإمبراطورية الأمريكية والتى كرست التوسع على قاعدة السوق. وبالرغم من التراجع الأمريكى وخاصة بعد الأزمة المالية فى 2008، إلا أن التوسع الكونى الذى ينظر للدول باعتبارها أسواقا وأن المواطنين هم مستهلكون/مقاولون وبخاصة فى الدول غير البازغة، لم يزل قائما.

فى هذا السياق، يتم التعاطى مع المنطقة، على أنها «أسواق»، ويتم توزيع الأدوار عليها وفق تقسيم عمل بدائى موزع على التقسيم الجغرافي. وهكذا، وهنا لابد من توضيح هذه الفكرة بعناية شديدة. فالعملية «الجيوبوليتيكية»: نسبة للجغرافيا والسياسة؛ التى تمت مع مطلع القرن العشرين من خلال تقسيم: «سايكس بيكو»:حيث جرى تقسيم تاريخى قسرى للمنطقة إلى وحدات سياسية وفق القوى الاستعمارية، قد تم استكمالها بعملية «سوسيو إكينوميكية»اجتماعية ـ اقتصادية؛ حيث تم/يتم تقسيم احتكار ضخ الثروة على أساس تقسيم الدولة القومية «إثنيا» (بالمعنى الواسع للإثنية)، كما حدث فى السودان وجارى استكماله، وكما حدث فى العراق وسوريا..إلخ، وما يستجد.

هنا تحديدا خطورة ما يجري، فنتيجة للضعف الداخلى وعجز السيادة الوطنية للدولة ـ كمنظومة ـ عن ممارسة مهامها، تعود الدولة إلى حالة الفطرة، وتسود قلاقل تكرس الانفصال أو الانكفاء، ويتولى الخارج ممثلا فى مؤسسات اقتصادية، أو فى الجماعة الدولية..إلخ، تصريف أمور هذه الدولة أو التدخل فى شؤونها، وخاصة مع تداعى الحدود القومية، وخلق روابط عابرة للحدود، ومناطق مشتركة بشرية أو مادية تجمع بين مساحات من الأراضى من أكثر من دولة، أنه المشهد الذى نرى ارهاصاته تتبلور أمامنا فى المنطقة، فى أكثر من مكان، أو ما أطلقت عليه فى 2007 «فيروس التفكيك»؛ حيث يتم انعاش الهويات والخصوصيات والانتماءات السابقة للقومية أو ما قبل الدولة الحديثة.

لذا طرحنا فى نهاية مقالنا السابق سؤالا هو: ماذا نحن فاعلون؟ وها نحن نكرر السؤال بعد ما أكدنا أن المخططات الخارجية تتغذى على الضعف الداخلي. ليس أمامنا إلى أن ننهض ونقوم ونتمسك بالنظام الإقليمى الأكثر واقعية والذى يحقق منظومة شراكة وتكامل تقوم على الواقعية والقدرة والفاعلية.. ونتابع.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern