الشرق الأوسط.. إلى أين؟

يحتفل العالم، وأوروبا تحديدا، في هذه الأيام بمئوية الحرب العالمية الأولى. وبالإضافة إلى الجانب الاحتفالي الذي يجيد الأوروبيون تنظيمه من عمل بوسترات وحفلات طقوسية، وتكريم، وإقامة تماثيل لشخصيات بارزة ذات صلة بالحرب

وإصدار دوريات متنوعة تتعلق بالأسلحة المستخدمة آنذاك، وبشكل الجيوش، وبالخرائط الجغرافية الموضحة لمسار الحرب، وانتاج الأفلام الوثائقية والتسجيلية.. الخ هناك الدراسات والكتب (سواء الجديدة أو القديمة المرجعية التي يعاد طبعها للأجيال القديمة)والنقاشات ذات الطابع الاستراتيجي المستقبلي حول هذه الحرب وتداعياتها على واقع العلاقات الدولية ومستقبله. في هذا السياق، لابد من رصد أن هناك حديثا مهما يجري حول الشرق الأوسط يصاحبه فعل ميداني، يعكس توافقا دوليا، شئنا أو لم نشأ، وأن هناك استراتيجيات وسياسات جديدة تتعلق بالمنطقة جار وضع تصوراتها واختبارها على أرض الواقع في الوقت نفسه والملاحظة الجديرة بأن نذكرها، هو أن كثيرا من دول المركز في الغرب تعيد النظر في استراتيجياتها المستقبلية. هناك من يرسمها حتى 2020، وهناك من يرسمها حتى 2030، وهناك من يمتد برؤيته الاستراتيجية حتى 2050. والمشترك في أغلب هذه الاستراتيجيات هو استمرار النظرة التاريخية للشرق الأوسط، فما هي هذه النظرة؟

في كلمتين يمكن أن نقول : إن دول الغرب، كانت ولا تزال ترى أن الشرق الأوسط «منطقة مطاطية» إذا جاز التعبير، قابلة للاختزال والضم. والذي يحدد ما سبق:الاختزال والضم، المصالح الاستراتيجية الكونية العليا. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه من الذي يحدد هذه المصالح؟

للإجابة عن هذا السؤال، نقول إن القراءة التاريخية حول مفهوم الشرق الأوسط، تعكس كيف استأثر الغرب الأوروبي أولا ثم الأمريكي لاحقا، بحق تسمية المنطقة، وتحديد نطاقها الجغرافي مع ضم أو استبعاد الدول ـ حسب الحاجة. وفي هذا نشير إلى عدة ملاحظات هي خلاصة الدراسة التأصيلية المعتبرة المعنونة: «النظام الإقليمي العربي .. دراسة في العلاقات السياسية العربية، للأستاذين جميل مطر وعلي الدين هلال، والتي صدرت مطلع الثمانينيات. حيث ذكرا ثلاث ملاحظات حول ما تقدم وذلك كما يلي:الملاحظة الأولى: أن مصطلح الشرق الأوسط لا يشير إلى منطقة جغرافية، بل انه مصطلح سياسي فى نشأته وفي استخدامه. والملاحظة الثانية:أن هذه التسمية لا تستمد من طبيعة المنطقة نفسها وخصائصها البشرية أو الحضارية أو الثقافية أو شكل نظمها السياسية، بل تسمية تشير إلى علاقة الغير بالمنطقة: فالشرق الذي يقال عنه «متوسط»؛ يثير السؤال «متوسط» بالنسبة لمن، وفي علاقته مع أي منطقة جغرافية أخرى؟ والسؤال نفسه يثار بالنسبة لمصطلح«الشرق الأدنى»(المتتبع لتاريخ تسمية المنطقة سوف يجد أنه في البداية أُطلق عليها الشرق الأدنى ثم أطلق عليها الشرق الأوسط.

الملاحظة الثالثة: أن هذه التسمية تمزق أوصال الوطن العربي، ولا تعامله على أنه وحدة متميزة. فهي تُدخل باستمرار دولا غير عربية مثل: تركيا وقبرص وإثيوبيا وأفغانستان وإيران وإسرائيل، وتخرج منه باستمرار دول المغرب والجزائر وتونس وأحيانا ليبيا والسودان..إلخ. في هذا المقام، سوف يجد القارئ في الأدبيات الغربية التي تتناول مفهوم ونطاق الشرق الأوسط والدول التي تنتمي إليه أكثر من 15 تعريفا…وهنا مربط الفرس.. لماذا؟

يعتبر صانع الاستراتيجيات في المركز أن منطقة الشرق الأوسط هي «مسرح عمليات» أو «معمل»؛يتم فيه اختبار الاستراتيجيات والأسلحة، وهندسة المجتمعات، بالطبع وفق الاستراتيجيات التي تقوم على المصالح بالأساس.ويؤكد، ماسبق، التأرجح حول المفهوم، ونطاقه، والدول التي تنتمي إليه، أن الشرق الأوسط ـ بحسب أحد الباحثين المعاصرين ـ ما هو إلا «مفهوم مجرد استراتيجي»؛ وضع في المركز لأسباب تتعلق بمصالحه.

وبالرغم من النتائج المروعة التي نتجت عن الاتفاقية التاريخية بين فرنسا وانجلترا والتي قسمت دول المنطقة بينها والتي عرفت«سايكس بيكو» فإنها بقيت حاكمة في الظل رؤية الغرب الأوروبي ولاحقا الأمريكي للمنطقة، بمعنى أنه مع كل تحول كوني كبير كانت المنطقة تدفع الثمن من خلال عمليتين معقدتين هما: «التقسيم والتقاسم» وتقسيم القائم إلى ما هو أصغر وأقل على أسس عرقية بالمعنى الواسع لمفهوم العرقية، وتقاسمه بين أصحاب المصالح الذين يتدرجون من الدول بمنطق سايكس بيكو إلى الشركات مرورا بالمنظمات الدولية والمؤسسات المالية والهيئات الإعانية. للدرجة التي ذكرنا فيها مرة أن هناك ما بات يعرف «بشرعية العقد»أي أن العقود النفطية باتت تعطي شرعية سياسية لجماعة بشرية بالرغم من وجودها الجغرافي في إطار دولة معترف بها، وهكذا.

الخلاصة أن الاستراتيجيات الجديدة الخاصة بالمنطقة لاتزال تتبنى تصورا يقوم على «فسيفسائية المنطقة». وأن التقسيمات التاريخية قد انتهت صلاحيتها ومن ثم لابد من الدفع بتقسيمات جديدة.0 فماذا نحن فاعلون؟ ونواصل.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern