الشبكة الوطنية للحماية الاجتماعية للمواطن

على مدى المقالين الأخيرين تحدثنا، فى نقاط محددة ومباشرة، عن ـ ما أطلقت عليه ـ «دولة الحماية الاجتماعية للمواطن»، أولا ماذا تعني، وما ضرورة الأخذ بها

وثانيا عن مقومات هذه الدولة التى من شأنها أن تنقلنا إلى مصر الجديدة، خاصة فى لحظة تحول مركبة :اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية. وعليه كيف نحمى المواطنين بشكل عام و«الغلابة» منهم، وهم يمثلون «الغالبية»، من تداعيات التحول المركب المؤلمة، ذات التكلفة الكبيرة التى يدفعها «غالبا» «الغالبية من الغلابة»

فى مقالنا اليوم، نقدم آلية عملية مقترحة لتفعيل دولة الحماية الاجتماعية للمواطن، وللتذكير، الدولة التى تقوم على:«العدل»/«الفرص المتكافئة» للجميع دون تمييز…تقوم هذه الآلية على أربعة مكونات أو عناصر متداخلة ومتشابكة ومكملة لبعضها البعض.لذا يمكن أن نطلق على هذه الآلية مصطلح «شبكة»، ليكون اسمها: «الشبكة الوطنية للحماية الاجتماعية للمواطن». بحيث يؤدى التكامل بين عمل هذه المكونات/العناصر فى النهاية إلى تأمين الحماية الاجتماعية للمواطنين بحسب المستويات الحياتية والمعايير التنموية المقبولة، التى عرفتها المجتمعات/ الدول التى قطعت شوطا فى التقدم. وهو ما يعنى عمليا ـ ضمان أن تتحقق المواطنة الحية ـ عمليا ـ فى تجلياتها الأساسية: العدالة والمساواة والمشاركة، بين كل المواطنين على اختلافهم…

أما الأربعة عناصر المكونة لهذه الآلية فنذكرها كما يلي: الأول:العنصر/المكون «الدفاعى»؛ والثانى: العنصر/المكون «التأمينى»؛ الثالث: العنصر/المكون«التنظيمى»؛ الرابع: العنصر/المكون:«التمكينى»؛…

أولا: «العنصر الدفاعى»؛حيث يتم الدفاع عن حقوق المواطنين، بشكل عام، أو الفئات النوعية، بشكل خاص، الذين يتعرضون إلى«مظالم» اجتماعية واقتصادية» أو إلى «انتهاكات»، بالتدخل المباشر أو بالمساندة القانونية إذا ما لزم الأمر أو بالضغط الإعلامي. كذلك تقديم العون فى توفير الاستفادة من المزايا المختلفة التى تقدم من قبل الدولة مثل: الصندوق الاجتماعي، أو بنوك التعاون، أو معاشات استثنائية، أو دعم عيني،…الخ. أو من قبل المؤسسات المدنية…وذلك بالتأكد من عدالة الاختيار والتوزيع.وفى المجمل أن الفرص متكافئة أمام الجميع.

ثانيا: «العنصر التأميني»؛وأقصد به توفير الإجراءات التأمينية المعيشية المتنوعة التى تضمن حياة كريمة لكل المواطنين…وفى هذا المقام يمكن أن نشير إلى أن الإجراءات يمكن أن تكون:«استباقية»؛ أى وضع مجموعة من الإجراءات التى تستبق تعرض أى مواطن ـ لما يمكن أن نطلق عليه ـ «انتكاسات» معيشية، ومن ثم تقدم له معالجات تنموية واجتماعية تؤمن له الحدود المعيشية الآمنة…حالة موظف يتعرض لتناقص كبير فى دخله بعد التقاعد تؤثر على حياته وحياة أسرته، أو«مسنون» ليس لديهم دخل أو من يرعاهم، أو…الخ…كما يمكن أن تكون الإجراءات: «فورية» فى مواجهة الكوارث والأزمات التى تحل بالمواطنين.

ثالثا: «العنصر التنظيمي»؛ ونقصد به دعم المواطنين فى تنظيم أنفسهم «مدنيا»، فى روابط واتحادات،…الخ، للتعبير عن مشكلاتهم وعرضها بطريقة سلمية والتضامن فيما بينهم فى محاولة ابتكار معالجات جديدة يواجهون بها ما يتعرضون له من إشكاليات مجتمعية، وفق الرؤى التنموية المستحدثة. ويمكن هنا أن تتشارك المؤسسات التنموية العريقة فى دعم الكيانات الوليدة كل فى مجال خبرته من: مشروعات صغيرة، خدمات نوعية،…الخ…

رابعا: «العنصر التمكيني»؛ونعنى به توفير مساحات من رفع القدرات الذاتية للمواطنين على جميع الأصعدة فى شتى الاتجاهات. وفتح أفق فيما يعرف عالميا بمجالالصناعات الإبداعية» التى تطلق الطاقات الكامنة للمواطنين، بما يفيد البيئات المحلية والمجتمع فى عمومه والمواطنين بطبيعة الحال…ويمكن أن يتم تكوين تكوينات ذات طبيعة إبداعية مرتبطة بالبيئات المحلية فى مستوياتها المختلفة.

هكذا تكون العناصر الأربعة، السابق ذكرها «شبكة الحماية الاجتماعية»، والتى نتصور أن تفعيلها، من شأنه، أن يقلل الكثير من الأضرار التى يتعرض لها المواطن فى حياته اليومية وخاصة فى زمن صعب ندفع فيه كلنا ثمن الكثير من السياسات الخاطئة عبر عقود والتى أدت بنا إلى هذا الوضع الحرج…شريطة أن تعمل هذه الآلية بشكل متكامل ووفق رؤى حداثية :فى الدفاع، والتأمين ببعديه الاستباقى والفوري، والتنظيمى والتمكيني، وفى ضوء قاعدة معلومات ـ قدر الامكان ـ دقيقة وبالتعاون مع المجتمع المدنى بمؤسساته ذات الخبرة محليا ودوليا.

وبعد حاولنا فى إيجاز أن نشرح مانقصده «بالشبكة الوطنية للحماية الاجتماعية للمواطن»؛ باعتبارها الآلية العملية الضامنة لإقامة دولة الحماية الاجتماعية: العادلة والضامنة لتوفير الفرص المتكافئة لمواطنيها بالكامل…ويبقى لنا أن نتحدث عن السياسات العامة/الاجتماعية فى أن تكون منسجمة مع دولة الحماية الاجتماعية للمواطن، من جهة، وأن يتم علاج أى آثار جانبية لهذه السياسات من خلال الشبكة الوطنية للحماية الاجتماعية للمواطن، من جهة أخرى…وهو ما نواصله فى مقالنا المقبل…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern