أحد أهم مزايا كل من حراك 25 يناير وتمرد 30 يونيو، هو أن كل الملفات قد فتحت. لم يعد هناك قضية إلا وقد أثيرت، ومن خلال خبرة سلطة ما بعد الحراك والتمرد تبين أن الاستمرار فى معالجة قضايا المواطنين لابد وان يتجاوز كل ما دأبت عليه كل حكومات الماضى من مقاربات وسياسات: «تسكينية أو تسويفية».
من ضمن هذه الملفات والقضايا لابد أن نعطى اهتماما لقضية«الحماية الاجتماعية» من منظور المواطنة باعتبارها أحد مقومات تجسيد دولة المواطنة على أرض الواقع، أخذا فى الاعتبار كيف أن مفهوم «الحماية الاجتماعية» شأنه شأن الكثير من المفاهيم، قد طاله الكثير من التطور فى إطار حيوية نقدية تعرفها المجتمعات التى سبقتنا فى التقدم، وعليه لا يمكن أن نطبق هذه المفاهيم وفق تصورات قديمة نمطية ثبت عدم قدرتها على تحقيق دولة المواطنة التى أحد مقوماتها الأساسية الرعاية الاجتماعية.
بداية نجتهد فى تعريف «الحماية الاجتماعية»؛ بأنها المفهوم الذى يعنى «بتأمين حياة كريمة للمواطن والمواطنين، من خلال تضامن وطنى بين جميع الأطراف:الدولة، والمجتمع المدني، والأحزاب، والاتحادات العمالية والفلاحية والفئوية والنقابات المهنية، والافراد، على تحقيق هدف «الحماية الاجتماعية» وذلك وفق الخطة التنموية للدولة، والتى تتكون من حزمة سياسات متكاملة ومتشابكة فى مجالات: الصحة، والضمان الاجتماعي، والتعليم، وتوفير الخدمات الأساسية من مياه نظيفة، وهواء نظيف، وعدالة علاقات العمل، والسلامة المهنية لبيئة العمل، وعدم تسرب التلاميذ وعدم السماح بوجود ظواهر من عينة عمالة الأطفال أو أطفال الشوارع، وفى المجمل تطوير مستوى المعيشة، وضمان تكافؤ الفرص أمام جميع المواطنين بدون تمييز..الخس. وما يضمن تحقيق زالحماية الاجتماعيةس. وفى هذا المقام، لابد ان نؤكد على فكرتين وردا فى الفقرة السابقة بمثابة شرطين هما:
الأول: الخطة التنموية للدولة؛لضمان تحقيق الحماية الاجتماعية، لابد من دمجها فى الخطة التنموية للدولة، خاصة أنه من المفترض أن المواطنين هم موضوع وهدف التنمية، ومن ثم فإن الحماية الاجتماعية تصبح أحد العناصر الأساسية لهذه الخطة، بلغة أخري، يضمن ما سبق ألا تترك الحماية الاجتماعية للصدفة أو لنشاطات خيرية غير دائمة أو عابرة أو طارئة، أو حسب ما يتيسر.
الثاني: التضامن الوطني؛ وهو تعبير بات يستخدم فى الأدبيات العالمية الخاصة بالسياسات الاجتماعية المتعلقة بقضية الرعاية الاجتماعية، حيث بات هناك التزام مؤسسى بين كل أطراف المجتمع على تأمين هذا الملف بشكل متكامل، فليس من حق أحد أن يتنصل من القيام بالدور المزمع القيام به فى إطار الخطة الشاملة التنموية للدولة، من حيث الشراكة فى التمويل بشكل عادل بين كل العناصر المتضامنة، وتوظيف كل الأطراف الوطنية المتضامنة فى خدمة أهداف التنمية القومية والتى من ضمنها الحماية الاجتماعية.
وقد يسأل البعض لماذا لم نستخدم تعبير «الرفاهة الاجتماعية» كما هو سائد دوليا، أو مفهوم «دولة الرعاية الاجتماعية» مثلما طرحه الدكتور إبراهيم العيسوى فى نقده لمفهوم الرفاهة، حيث يشير إلى أن الأدق هو الحديث عن الدولة الراعية أو دولة الرعاية الاجتماعية. على الرغم من موافقتى لمضمون النقد الذى قدمه العيسوى لمفهوم دولة الرفاهية باعتباره نموذجا لمجتمع رأسمالى متقدم، نضجت فيه التكوينات الطبقية والتنظيمات الحزبية وحقق مستوى مرتفعا من النمو الاقتصادى والانتاجية، ولكنه كان مصحوبا بفوارق واسعة فى توزيع الدخل والثروة، صارت تشكل تهديدا للتماسك والاستقرار الاجتماعى والسياسي، بل إنها صارت تشكل تهديدا للتقدم الاقتصادى ذاته، يضاف إلى ما سبق هو ضرورة التفرقة بين كون الدولة تقدم خدمات ورعاية اجتماعية من ناحية، وكونها تسير على نموذج دولة الرعاية من ناحية أخري، ذلك لأن دولنا لم تسر فى تطبيق نموذج الرعاية/ الرفاهية الغربى خاصة أنه نتاج تطور تاريخى معين عرفه الغرب…كما لم تستمر فى تقديم الخدمات والرعاية الاجتماعية لمواطنيها بل تخلت عن الكثير من مهام تقديم الرعاية.
وعليه، وانطلاقا من السببين المذكورين أعلاه: الأول: بعدنا عن المسار التاريخى الذى سار فيه الغرب، والثاني: انسحاب الدولة من مهام الرعاية الاجتماعية بفعل السياسات الاقتصادية التى وصفت،فإن النتيجة الحتمية هى تعرض الوطن إلى الكثير من التهديدات ومن ثم المواطنين ما يؤثر فى وضعية دولة المواطنة، وعليه لابد فى ظنى أن تستخدم مفردة تؤكد معاني: الضرورة، والاستنفار، المسئولية المجتمعية، الدفاع عن الحقوق الاجتماعية الأساسية..الخ. لذا لا أرى إلا تعبيرسالحماية الاجتماعيةس لاستخدامه، وهو ما يضمن ويثمن ضمان تحقيق حياة كريمة للمواطنين.
إن دولة الحماية الاجتماعية ليست مجرد دولة خدمية ورعائية وإنما هى دولة تنمى المواطن، كل مواطن، على قاعدتى المساواة والعدالة وفق أسس، وقواعد، وتشريعات، وسياسات معينة، نتطرق لها لاحقا. كما تستحق دولة الحماية الاجتماعية للمواطن أن