ست مهام ضرورية للتقدم

تشير المتابعة الدءوبه لخبرات الدول التي قطعت شوطا في التقدم إلى أن هناك مهام أساسية يجب القيام بها تعد بمثابة الأسس المعينة لانطلاق الذات الوطنية نحو التقدم، هكذا تقول لنا تجارب كل من الهند وروسيا وماليزيا وجنوب إفريقيا وتركيا والبرازيل.

وتدور هذه المهام حول انجاز عملية «تعاظم» الذات الوطنية والتي تعني في كلمات قليلة: رفع قدراتها وقواها في إطار مشروع وطني يضعها في الموقع الصحيح كونيا، وإقليميا، ويحقق المصلحة القومية العليا بمكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسيةأو بلغة أخرى يمهد لها الطريق للاقتراب من الأقوياء والعظماء في المنظومة العالمية، شريطة العمل على إنجازها في وقت واحد وفي إطار متداخل ومتقاطع، وتبلغ هذه المهام ستا، نعرضها كما يلي:

المهمة الأولى: رصد عناصر القوة الذاتية؛ ونقصد بها كل ما يتعلق بالشخصية القومية المصرية، بذلك الوحدة العرقية للمصريين، والوحدة الجغرافية للحدود التاريخية لمصر عبر العصور، التنوع الحضاري الذي تتسم به الثقافة المصرية. فلاشك أنه تكون لدينا عبر آلاف السنين زخم ممتد يعبر عن عمق الحياة المصرية، وخبراتها المكتسبة عبر العصور بسبب ما تكون لديها من قيم ثقافية ذاتية، وما اكتسبته من احتكاكها بكل ما عبر بمصر من ثقافات وحضارات، وهنا علينا التقاط عناصر القوة في هذا الزخم واستدعائه وتجديده بما يمثل نواة صلبة للمصريين.

المهمة الثانية: حصر الموارد المحلية: البشرية والمادية، والمعنوية:الحالية والمتوقعة؛ من الأهمية بمكان رسم خريطة معرفية للعقول المصرية في الداخل والخارج في شتى المجالات باعتبارها رصيدا أساسيا لا غنى عنه في طريق التقدم. كذلك توفير بنك معلومات كامل للموارد المادية من ثروات طبيعية وعوائد انتاج راهنة ومتوقعة في مجالات: الزراعة، والصناعة، والتقنيات بدرجاتها وفي المجالات المستحدثة مثل: المعلوماتيات. ودراسة المعطيات المتجمعة لمعرفة كيف يمكن توظيفه والإضافة عليها والانطلاق نحو التقدم.

المهمة الثالثة: تبني نموذج تنموي؛ كل الدول التي تقدمت لم تستطع أن تنجز تقدمها بغير أن تتبنى نموذجا تنمويا وفق ظروفها الذاتية، الدولة التنموية تتبلور نتيجة تفاعل نظامين، لاحظ وجود تفاعل، عام وخاص، بين الدولة والقطاع الخاص، والتكامل بينهما في تحديد أهداف التنمية الوطنية، ويكون للدولة الحق في حجب المزايا والحوافز إذا ما انحرف أو عطل القطاع الخاص تحقيق هذه الأهداف، كما أن هذه الدولة عليها أن تحرص على توافر القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، أي القدرة على تصنيع صناعات قادرة على التنافس مع المنتجات العالمية، وفي هذا السياق على التقدم الاقتصادي القبول بالتحولات التي تجري في البناء الاجتماعي والتي تطال علاقات النتائج. فلا تحول اقتصادي حقيقي (اقتصاد إنتاجي)دون تحولات اجتماعية وطبقية وسياسية. المهمة الرابعة: توافر شريك تنموي؛ لم تجد أي دولة من الدول الصاعدة أية غضاضة في أن تدخل في شراكة تنموية مع شركات في دول متقدمة تحظى بتقدم تكنولوجي، حيث يتم التوافق على نقل التكنولوجيا في درجاتها الأقصى وأجيالها الأحدث، هكذا فعلت ماليزيا والهند، وقد رأيت كيف شاركت تركيا شركات أوروبية من عينة فيليبس وسيمنز كي تنقل لها أولا بأول أحدث ما تصل إليه، وفي بعض الحالات باتت هذه الدول تقوم بعملية تصنيع التقنيات بالكامل، وهنا وفي ضوء انجاز المهام السبع لابد من أن نضع أيدينا على ما أطلق عليه«الشريك التنموي الملائم».

المهمة الخامسة: تعميم ثقافة القوة الذكية؛ القوة الذكية هو التعبير الأكثر تقدما من تعبير القوة الناعمة. فالقوة الذكية هي محصلة كل من القوتين: الناعمة والصلبة، فإذا كانت القوة الصلبة تستخدم في حالة الضرورة لإقناع البعض قسرا، فإن القوة الناعمة تجعل ما تريده أنت مطلبا من قبل الآخرين وذلك بالتأثير على الآخرين بالثقافة والإعجاب بالقيم والنماذج التي يتم الترويج لها، وتقديم إغراءات متنوعة، والذكاء أن نمارس نوعا من القوة هي مزيج من القوتين، وهو ما سيكون مطلوبا بإلحاح في كثير من المفاوضات المعلقة.

المهمةالسادسة: المناطق الحيوية؛ تعظيم الذات الوطنية أساس فلسفة التقدم وتحتاج إلى مساحات كي تتجلي فيها، ومن ثم لابد من معرفة المناطق التي سيتم اعتبارها مجالات حيوية لنا من جانب ومساحات مفتوحة للتحرك، وذلك لسببين هما: الأول يمكن أن نتعلمه من الماضي، وذلك عندما بات هناك فائض اقتصادي/سلعي(أدوية، أجهزة كهربائية.. إلخ) بسبب الانتاج الحقيقي أصبحت هناك ضرورة لمصر أن تتطلع للمنطقة العربية ولإفريقيا، فقمنا بالتصدير في هاتين المنطقتين(راجع دراستنا: العروبة في المرحلة الراديكالية). الثاني: أن الغياب يعني أن تملأ هذه المناطق بآخرين وتصبح مصدرا لتهديدنا، وتستبيح «تقاسمنا». و«التقاسم»نقيض«للتعاظم». وما حياة الدول/ الأوطان إلا خيار بينهما.

طريق التقدم يبدأ بهذه المهام، مهام ست يمكن اعتبارها مهام وطنية بامتياز، لابد أن تمارس في نفس الوقت ودونها، لا يمكن أن نجدد ونستنفر «الذات الوطنية الحضارية»، حتى تصبح رقما فاعلا في المعادلة الكونية المتجددة: في العلم، والمعرفة، والجغرافيا السياسية، والرياضة، التكنولوجيا.. إلخ. إن ما طرحناه يعد إطارا عاما لمجهود معرفي عميق مطلوب انجازه.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern