ساحات حرة.. وسياسات عادلة

فى مطلع 2013 تفرغت لقراءة مجموعة من الكتب التى كتبها شباب التحرير عن تجربة حراكهم الذى انطلق فى 25 يناير 2011، ذلك فى محاولة لفهم ما جرى فى سياق دراسة موسعة عن الطبقة الوسطى و25 يناير من جهة

والاقتراب من شبابنا وكيف يعبرون عن أنفسهم وعن ظروفهم وأحلامهم وتطلعاتهم وكيف يرون واقعهم وما أنجزوه من جهة أخري…ذلك لأن نفهم جيل شباب التحرير / التحريريين الشباب…يعنى فهم مصر الجديدة؛ التى يصل فيها تعداد من هم تحت سن الخمسة والعشرين سنة إلى ما يقرب من 45 مليون نسمة أى نصف سكان مصر…ما يعنى أن مصر الجديدة هى مصر الشباب…ومن ثم ما هو أهم ما أنجزه هؤلاء التحريريون؟ وكيف يمكن أن نستجيب لهم؟…فكرتان أساسيتان يمكن استخلاصهما من كتابات «التحريريون»…وفى المقابل نقترح كيف يمكن الاستجابة لهم…

الفكرة الأوليميلاد سلطان الشعب»؛ وهى العبارة التى جاءت فى شهادة المحررة الاقتصادية أميرة صلاح أحمد، وأظنها عبارة تفسر الكثير مما جرى ولطبيعة التحولات التى طرأت على مواطنينا ـ خاصة الشباب منهم ـ فى كل بقعة من بقاع مصر…جاءت هذه العبارة فى معرض وصفها ليومى 26 و27 يناير تحديدا…فماذا قالت أميرةتابعت ما كان يجرى فى القطاع المصرفى فى ضوء التفاعلات الجارية فى الميدان. وكيف أتخذ القرار بقطع الاتصالات لمنع التواصل بين الشباب الذين كانوا يؤسسون لتاريخ جديد. «ولكن بدلا من شل حركة الشعب «تقول أميرة، «عجلت سلسلة القرارات الغبية بسقوط النظام؛ انفجار صامت حطم حاجز الخوف الأخير، وتولد إيمان قوى بأن التغيير القادم يعنى سقوط النظام»…أراد الشعب أن يغير الواقع، وسيتغير الواقع»…وكان هذا آخر شيء أرسلته أميرة على «تويتر»قبل قطع الاتصالات والأنترنت…مع هذا الانقطاع، تقول أميرة: «زاد انعزالنا عن العالم الخارجى شيئا فشيئا. فأصبحنا وحدنا تماما، لا نملك غير بعضنا البعض. ومن لحظات الوحدة تلك تمخضت أكثر الأيام التى عرفناها اتحادا وقوة فى تاريخ مصر. لم أشعر من قبل بهذا الارتباط بملايين الناس غيرى رغم العزلة المفروضة علينا. وهكذا ولد سلطان الشعب».(يراجع كتاب مذكرات التحرير والذى ضم ست شهادات شبابية تغطى الفترة من 25 يناير إلى 11 فبراير، وقدم لها المدون الشهير حسام الحملاوى صدر يناير 2012)

الفكرة الثانية: «التحرر الداخلي»؛يقول أحد الشباب عما جري:«ليس هدفى أن أبحث عن ماهية هذه الحركة أهى ثورة أم لا، المهم أنني: ثرت بالفعل من داخلي…وهذا هو مفتاح تفسير كل ما حدث وما يحدث وما سيحدث…لقد تحررت…

فى 25 يناير 2011 تفاعلت «الثورة والفورة» الشبابية؛ إن جاز التعبير…فتحت الطريق أمام التغيير والتحول…ووجدنا أمامنا كتلة شبابية منقطعة الصلة بالقديم…تفتح طاقة نور للجديد…أنه «غروب وشروق»…وانطلاق دورات جيلية شبابية متجددة…فمنذ 2011 إلى الآن وجدنا أنفسنا أمام اجيال شبابية متعاقبة…فماذا نحن فاعلون من أجل تأمين تطلعاتها، خاصة وكما يقول سارتر فى معرض تعليقه على ثورة الشباب فى 1968: «ما ان يعرف الفعل الشبابى الثورى طريقه للتحقق، فى اللحظة التى يُظنُ فيها أنه لا يمكن أن يتحقق، فإنه علينا أن ندرك أنه قابل أن يحدث مرة أخري» بل مرات…وعليه لم يعد من المفيد أن نتعامل مع الشباب: «الثورة والفورة»، بنفس النهج القديم أو انهم «شوية عيال»، و«كفاية» بقي…الخ…هناك واقع جديد وجيل جديد يمثل غالبية سكان مصر ولهم احتياجاتهم وتطلعاتهم ويحملون ملامح مغايرة عما سبقهم من أجيال، كما أنهم لديهم انجازهم سواء على مستوى «حراك 25 يناير» أو «تمرد 30 يونيو» أو ما يجد، اختلفنا او اتفقنا.. فى مقابل ما تقدم نطرح ضرورة التعاطى المبدع مع شبابنا الطالع وذلك من خلال العمل على أمرين كما يلي:

أولا: تأسيس ما يمكن تسميته «الساحات الحرة القاعدية»؛ فى كل محافظة، تفتح للشباب لينخرط من خلال ورش عمل متنوعة كى يتعلم ويتدرب ويجرب ويعبر عن نفسه فى شتى المجالات: الفنية والحرفية والرياضية والثقافية والمعرفية والسياسية…وقد تم تجريب هذا النوع من النشاط الحر فى ساحة عابدين فترة وفى بعض الأماكن فى شمال القاهرة…ويمكن أن يتم تقنين ذلك وإعداد لائحة تنظيمية كى يديرها الشباب بأنفسهم…ووضع محتوى هذه النشاطات والخبراء المناسبين…ويمكن فى هذا السياق أن يعاد النظر فى وضعية مراكز الشباب فى هذا السياق…ونشير إلى تجربة الهند فى وضع أكشاك الكمبيوتر فى الطرقات العامة…ونذكرأن مصر لم تعد فى ظل منظومة شمولية ومن ثم لن يجدى أى تثقيف فوقي…

ثانيا: الأخذ «بسياسات عامة عادلة»؛ فيما يتعلق بالشباب…حيث يراعى المكون الشبابى فى كل ما يعد من سياسات عامة فى شتى المجالات من حيث: ضمان الحضور النوعى للشباب فى شتى المواقع، والالتزام بتوفير فرص متساوية للشباب فى كل من التعليم والسكن والرعاية الصحية…الخ…

الخلاصة، الساحات الحرة القاعدية هى البوابة المؤسسية الحديثة لاستيعاب الشباب كمواطنين والإشهار القانونى لميلاد سلطان الشعب…والسياسات العادلة لتلبية تطلعات الشباب…ونواصل…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern