لا معني لدستور مالم تكن هناك فلسفة عامة تحكمه…هذه هي الخلاصة التي خلصنا إليها في مقالنا السابق…فالمسألة ليست نصوصا بلاغية ترص إلي جوار بعضها البعض مكونة نصا ورقيا لا يحقق تطلعات المواطنين أو يعين في تقدم الوطن
دللنا علي ذلك بالرجوع إلي فلسفة النظام الاقتصادي البرازيلي وإلي المبادئ التي يقوم عليها…فبعد أن يعرف هوية الاقتصاد الوطني البرازيلي…يؤطرها بتسعة أسس حاكمة يراعي فيها: المساواة الجهوية والطبقية, وأولوية التعامل مع الشركات الوطنية, والأخذ بسياسات اقتصادية مشروطة بتأمين العمالة الكاملة وحماية المستهلك والبيئة… ولا يفوت المشرع أن يعرج علي الوظيفة الاجتماعية للملكية, كل ذلك تحت مظلة السيادة الوطنية… فالبرازيل دولة عانت من التبعية والديون لعقود ومن ثم لابد من الالتزام بألا يعود هذا الواقع الأليم مرة اخري. لا يقف النص الدستوري عند هذا الحد… وإنما يمعن في التفصيل ـ شأن دساتير الموجة الرابعة والتي تضع أطرا قانونية معينة لواضعي القوانين تعصم المبادي الدستورية من تفريغها من مضمونها ـ وعليه نجد تسع مواد مفصلة علي ما يقرب من45 فقرة رئيسية وفرعية تحدد ملامح النظام الاقتصادي البرازيلي بدقة متناهية… كيف؟
النظام الاقتصادي والمالي هو عنوان الباب السابع من الدستور, ويبدأ بالمادة170 التي تحدثنا عنها في المقال السابق والتي تنص علي الهوية الاقتصادية للدولة ومبادئها التسعة الحاكمة… يستهل النص الدستوري حديثه التفصيلي للنظام الاقتصادي من المادة172 حيث ينص علي ما يلي:ينظم القانون, استنادا إلي المصالح الوطنية, استثمارات رأس المال الاجنبي, ويشجع معاودة الاستثمار, وينظم تحويل الأرباح… وفي المادة173 نجد الحرص علي التأكيد بأنه: باستثناء الحالات المبينة في هذا الدستور, لا يسمح بالاستغلال المباشر لأي نشاط اقتصادي من جانب الدولة…وتفصل المادة ـ ببنودهاالأساسية والفرعية ـ التزام وخضوع الشركات بأنواعها: العامة, وذات الرأسمال المختلط إلي ما يلي: وظيفتهما الاجتماعية وسبل المحاسبة من جانب الدولة والمجتمع,
الامتثال للتشريعات من قبل شركات القطاع الخاص, والالتزام بالحقوق والواجبات المدنية والتجارية والعمالية والضريبية,
تكوين المجالس الإدارية والمالية, بمشاركة صغار حائزي أسهمها.
مدة شغل المديرين لمناصبهم وتقييمات أدائهم ومسؤلياتهم القانونية.
التكافؤ في الحصول علي مزايا ضريبية لكل أنواع الشركات.
النص علي: قمع القانون لإساءة استخدام السلطة الاقتصادية التي ترمي إلي السيطرة علي الأسواق, وتغييب المنافسة,وزيادة الأرباح تعسفا.
ويوصف الدستور هذه الإساءة بأنها تكون ضد: النظام الاقتصادي والمالي وضد أموال المواطنين… وعلي الرغم من التزام البرازيل الاقتصاد الحر فإن هذا لا يعني: الاحتكار, أو عدم المحاسبة, أو عدم الالتزام بمنظومة الحقوق بأبعادها, وعدم مراعاة البعد الاجتماعي أو التفريط في الثروات العامة للبلاد…
وبعد أن يؤكد ذلك كما رأينا نجده وبترتيب مبدع, يتحدث عن:
أولا: دور الدولة الاقتصادي وتشجيعها للتعاونيات( المادة174), وذلك كما يلي: تؤدي الدولة, باعتبارها الجهة المعيارية والمنظمة للنشاط الاقتصادي, مهام الرقابة والتحفيز والتخطيط, علي النحو المبين بموجب قانون ـ علي الرغم من الإشارة إلي قانون منظم إلا أن النص الدستوري لا يترك الأمر دون إطار حاكم للقانون ـ فيستكمل النص الدستوري بالآتي: وتكون مهمة التخطيط ملزمة للقطاع العام وإرشادية للقطاع الخاص… وامعانا في الدقة يتم تفسير النص الدستوري بالفقرات الأربع التالية:
أولا:يحدد القانون الخطوط التوجيهية للتخطيط للتنمية الوطنية المتوازنة وأسس ذلك التخطيط, التي توفق بين خطط التنمية الوطنية والإقليمية/ الجهوية, ثانيا: يدعم القانون ويشجع النشاط التعاوني وغيره من أشكال الترابط. ثالثا: تحبذ الدولة أن يجري في تعاونيات تنظيم عمليات تعدين الرواسب لاستخلاص الذهب, مع مراعاة حماية البيئة والنهوض اجتماعيا واقتصاديا بالعاملين في مجال التعدين,
رابعا: تكون للتعاونيات المشار إليها, أولوية في الحصول علي ترخيص أو منحة للتنقيب عن موارد الذهب ورواسبه واستخراجها في المناطق التي تحدد وفقا للمادة21 من الدستور…
ثانيا: عن الثروات العامة للبلاد وتنظيم الانتفاع بها بداية من التنقيب عنها واستخراجها وتوظيفها بشكل تفصيلي( المادتان176 و177والمفصلتان في23 فقرة وبندا رئيسيا وفرعيا)… وأهم ما جاء في النص الدستوري هو: وطنية الشركات العاملة في هذا المجال, تمييز ما هو حكر علي الاتحاد البرازيلي من عمليات وماهو متاح للشركات, وأخيرا النص علي توجيه مساهمات من عوائد الأنشطة النفطية والمنتجات الثانوية والغاز الطبيعي ومنتجاته الثانوية والوقود الكحولي في تمويل المشاريع البيئية وبرامج البني التحتية الخاصة بالنقل تحديدا… ونشير إلي أن دساتير الموجة الرابعة لا تتحدث عن النظام الاقتصادي بمعزل عن خطة التنمية للدولة وهو ما سنفصله في مقالنا المقبل…