إننا نعيش حالة دستورية بامتياز…كان هذا ردي, عندما صرح لي صديقي بأنه غير’ مرتاح’ من متابعته للنقاشات الدستورية, وللتسريبات التي تخرج علينا حول المواد الدستورية وطريقة صياغتها والجدل العام حولها
رد علي صديقي, وما فائدة أن نعيش حالة دستورية تنتج لنا نصوصا لا ترضي أحدا أو كما تقول ـ وعلي مدي أكثر من10 مقالات ـ لا تواكب ما أعدت وزدت في كتابته, الموجة الرابعة من الدساتير…أجبته; بداية اشكرك علي اهتمامك علي المتابعة ـ وأخشي ان كلمتي زدت وعدت تحمل نبرة يأس و ملل قد تكون قد أصابتك أو ربما صداع من كثرة الالحاح والتنبيه علي ضرورة أن يكون المنتج الدستوري وفق ما ذكرناه في هذه المقالات ـ قلت لنعتبرها’ تمرينا ذهنيا’ حيث: تفتح فيه كل الملفات, وتتضح فيه توازنات القوي المختلفة, ومن يريد ماذا ولماذا؟…ولمصلحة من تصب؟ فئة أم طبقة أم عموم المواطنين؟
ويقينا, سوف نصل إلي نص دستور توافقي في لحظة تاريخية ما, من حصيلة كل الاجتهادات التي بدأت ـ ليس فقط منذ بدء العمل في الدستور الحالي ـ بل منذ تعديلات2007 ووصولا لحراك25 يناير وتمرد30 يونيو وكل المحاولات المؤسسية الحكومية والمدنية والشخصية للتوافق حول دستور يواكب تطلعات المواطنين لمصر الجديدة…
نص يراعي التوافق الطبقي والثقافي والنوعي لكل المصريين…فلا يأتي الدستور لصالح طبقة بفعل المال/ الثروة علي حساب باقي طبقات المجتمع, أو جماعة تحتكر/تختزل الهوية علي حساب الهوية الوطنية الجامعة المركبة متعددة العناصر, أو تلبية وظيفية لمطالب نوعية/ فئوية بمعزل عن الرؤية العامة للتقدم ومن ثم تكريس حالة عثمانية طوائفية الملامح…وهنا فائدة التمرين الذهني الذي أظنه سيستمر حتي بعد صدور هذا الدستور…لأنه لن يحل كثيرا من الإشكاليات والتي أظنها ستظل معلقة, ما يعني أن نواصل نضالنا الدستوري بتعميق المناقشات التي لا يسمح بها الجدول الزمني لخارطة الطريق من جهة, والمقاربة ـ التي أظنها ـ خاطئة للنقاش الدستوري الجاري من جهة أخري…ففي غياب فلسفة ورؤية حاكمة للنص الدستوري سوف تظل النقاشات تتراوح بين التبسيط المخل والتهجين المضل…
وهنا قال لي صديقي هل يمكن أن تقدم لي أمثلة علي ما تقول…أجبت لنأخذ مثلا قضية النص علي مجلسين للتشريع: نواب وشيوخ…فالمتابع لمسار النقاش سوف يجد نفسه مستغرقا في تفاصيل لا قيمة لها…بينما السؤال الأساس لا نجد إجابة عنه ألا وهو ما الفلسفة من وراء وجود’ غرفتي تشريع’ أو’ غرفة’ واحدة؟…أو ما يعرف ب’Rationale’,أو المنطق منهما…وعليه لابد من أن نسأل أنفسنا العديد من الأسئلة حتي نستطيع الوصول إلي إجابة…أسئلة تتعلق بما يلي:
تطورنا الديمقراطي وأي نظام تشريعي نريد؟
دراسة تاريخنا النيابي ومعرفة أي نظام كان الأجدي لمصر منذ أن عرفت الحياة النيابية في1866 ؟
دراسة مقارنة للنظم التي تأخذ بآليتي التشريع القائم علي غرفة واحدة وغرفتين؟
وفي ضوء الإجابة علي ما سبق, نقرر أي نظام نطبق…
في المقابل, نجد جهدا كبيرا يبذل في صياغة نصوص بشكل مكثف لترضي رؤيتين متناقضتين…فتأتي النتيجة بمثابة’ تهجين مضل’, أي خلط ما هو متناقض مما يؤدي إلي السير في طريق غير صائب( نعتمد علي نص نشر لباب مقومات الدولة)…ففي محاولة تعريف الاقتصاد الوطني ولإرضاء كل من دعاة اقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية…نجد النص يقول بان النظام الاقتصادي يعتمد في تحقيق أهدافه علي:’ آليات السوق المنضبط’…
وتعكس هذه العبارة ـ تحديدا ـ أن هناك من لم يزل يري النظام الاقتصادي يقوم علي’ فلسفة السوق’, وهو الأمر الذي حاولنا من خلال سلسلة مقالاتنا المبكرة عن’ نهاية الليبرالية الجديدة’ في الأهرام الاقتصادي في2009 و2010, ومؤخرا حول الرأسمالية الجامحة كيف أن العالم الجديد قد هجر هذه الفلسفة والتي تعرضت للكثير من النقد والمراجعة من داخل المنظومة الرأسمالية نفسها(كتابات ما أسميه مجموعة نوبل الاقتصادية; وأقصد بعضا من الاقتصاديين مثل: استيجلتز(2001),وبول كروجمان(2008),والاقتصادي جورج سوروس وفوكوياما ووروبرت رايش ـ وزيري العمل في إدارة كلينتون صاحب كتاب’ السوبر رأسمالية’)…
لقد تجاوز العالم اقتصاد السوق التاتشرية/الليبرالية الجديدة, ولابد من الاجتهاد قليلا في وضع تصور لنظامنا الاقتصادي لا يعيد ما احتجت وتحركت ضده فئات متنوعة من المواطنين…وهنا لابد من مراجعة خبرات الآخرين الدستورية في هذا المقام خاصة دساتير الموجة الرابعة…