الحكم المحلي في دساتير الموجة الرابعة

من الموضوعات التي تحظي بأهمية كبيرة فيما أطلق عليه دساتير الموجة الرابعة‏,‏ أو الجيل الرابع من دساتير العالم‏,‏ موضوع اللامركزية أو الحكم المحلي للأقاليم والمحافظات والمدن والبلديات‏.‏

فهي تعد مؤشرا لمدي التطور الديمقراطي لهذه البلدان من جهة, وكيفية تنظيم حركة المواطنين علي المستوي القاعدي للمشاركة في إدارة شئون حياتهم اليومية علي جميع الأصعدة التنظيمية من جهة أخري. لذا ليس مصادفة أن تفرد بلدان مثل: البرازيل وجنوب إفريقيا والهند وماليزيا, مساحات تفصيلية للكيفية التي يجب ان يدار بها الحكم المحلي في دساتيرها. وقبل أن نستعرض بعض التفاصيل الخاصة بهذا الموضوع في بعض من هذه الدساتير…نشير إلي أمرين هما: الأول هو اهتمام هذه الدساتير بوضع إطار مفاهيمي, تارة تحت مسمي أغراض الحكم المحلي في حالة دستور جنوب إفريقيا, أو التعريفات كما هو الحال في دستور الهند, أو المقدمة الدستورية النصوصية كما هو الحال في دستور البرازيل. و ما ينبغي الالتفات له أن الوثيقة الدستورية المعاصرة باتت تستوعب إضافة صياغات غير مألوفة مثل: وضع مقدمات للدساتير, أو لأبواب الدساتير, أو تفسير مادة, أو وضع تعاريف, أو إطار مفاهيمي, أو كل ذلك معا.. إلخ. والثاني هو وضع إطار قانوني عريض لتنظيم عملية ممارسة الحكم المحلي في الواقع. بلغة أخري عدم إحالة الأمر إلي القانون المنظم لاحقا الذي يمكن أن يصدر متناقضا مع النص الدستوري. وهو ما أشرنا له أكثر من مرة في مقالاتنا عن الوثيقة الدستورية في موجتها الرابعة إلي أنها تتسم بالتطويل بعض الشيء حيث تتضمن: تفصيلا قانونيا للمبدأ الدستوري لضمان أن يأتي القانون المفصل معبرا عن النصوص الدستورية وغير متناقض معها.


في دستور جنوب إفريقيا نجد نصا يحدد أهداف الحكم المحلي كما يلي: أولا توفير حكم ديمقراطي وخاضع للمساءلة للمجتمعات المحلية, ثانيا: كفالة توفير الخدمات للمجتمعات المحلية بطريقة مستدامة, ثالثا: العمل علي تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية, رابعا: العمل علي تهيئة بيئة مأمونة وصحية, خامسا: تشجيع مشاركة المجتمعات المحلية والمنظمات الأهلية في مسائل الحكم المحلي. وبعد أن يضع الدستور هذا الإطار المفهومي يتحدث في المواد من153 إلي163 تفصيلا( وأرجو أن يلاحظ القارئ الكريم العناوين) عن الآتي: الواجبات التنموية للبلديات, البلديات والحكم التعاوني, كيفية إنشاء البلديات( في7 بنود رئيسية وما يقرب من17 مادة تفصيلية), صلاحيات البلديات ومهامها, تكوين المجالس البلدية وانتخابها, عضوية المجالس البلدية, مدة ولاية المجالس البلدية, الإجراءات الداخلية, نشر القوانين المحلية البلدية, منظمات الحكم المحلي.


أما في دستور الهند فنجده يخصص الباب التاسع مؤسسات الحكم المحلي, حيث تتضمن المادة243 وتحتها نجد مادة تمهيدية عنوانها: التعريفات, تليها15 مادة تفصيلية عن الحكم المحلي. في التعريفات يحدد ما هي المنطقة ومن هم المسجلون في القوائم الانتخابية, والبانشيات وتعني مؤسسة للحكم الذاتي من أجل المناطق الريفية…الخ. من صلاحيات مؤسسة الحكم المحلي في المادة243/ ما يلي: أولا: إعداد خطط لتحقق التنمية الاقتصادية والعدل الاجتماعي.ثانيا:تنفيذ مخططات تحقيق التنمية الاقتصادية والعدل الاجتماعي التي تناط بها…ويعطي الدستور صلاحيات لفرض ضرائب وتكوين صناديق مالية تحت إدارة لجنة مالية تعمل علي توزيع عادل للحصيلة بين المناطق والقري والبلديات كذلك المعونات.. إلخ.


أما في دستور البرازيل فنجد علاقة مركبة بين البرازيل كجمهورية اتحادية تتكون من: اتحاد, وولايات, ومنطقة اتحادية, وبلديات. جميعها تحظي باستقلال إلا أن حق التدخل قائم من أجل: الحفاظ علي الوحدة الوطنية, وصد الغزو الأجنبي أو صد غزو أي وحدة من وحدات الاتحاد لوحدة أخري, ووضع نهاية لإخلال جسيم بالنظام العام, وضمان ممارسة أي صلاحيات لوحدات الاتحاد ممارسة حرة, وإعادة تنظيم ماليات وحدة من وحدات الاتحاد, والتكفل بإنفاذ القانون الاتحادي أو الأوامر أو القرارات القضائية, كفالة الامتثال للمبادئ الدستورية من: شكل الجمهورية, والنظام النيابي والديمقراطي, وحقوق الإنسان, وضمان استخدام الحد الأدني الإلزامي للدخل الناجم عن ضرائب الولايات, بما يشمل الدخل التابع من التحويلات, في صيانة التعليم وتنميته وفي خدمات الصحة العامة.
في هذا السياق, نجد الدستور البرازيلي في الباب الثالث المعنون: تنظيم الدولة,يتحدث عن العديد من الصلاحيات للمحليات بها الكثير من الابداع والابتكار ربما تحتاج أن نفرد لها مقالا قادما لما تشمل من ابداع وتنوع وشمولية… مقارنة بمقاربتنا الدستورية للإدارة المحلية.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern