من دساتير الموجة الرابعة‏..‏ الدستور البرازيلي

مرت الحركة الدستورية بأربع موجات علي مدي التاريخ‏.‏ الموجة الأولي وهي التي نتج عنها الدساتير التأسيسية مثل الدستور الفرنسي والأمريكي والإسباني‏.‏ والموجة الثانية وتشمل دساتير الدول المستقلة حديثا بعد الحرب العالمية الثانية‏.‏

أما الموجة الثالثة فعرفها العالم بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي وتضم دول أوروبا الشرقية بالأساس. وأخيرا الموجة الرابعة, لم تزل سارية, والتي انطلقت مع صعود القوي الجديدة مثل: الهند, والبرازيل, وتركيا, وجنوب إفريقيا, وماليزيا. ومن خلال دراستنا لمسيرة الحركة الدستورية, حاولنا علي مدي المقالات الثلاث السابقة حول الوثيقة الدستورية إن نقول أنها عملية مركبة, لابد أن تتسم بالتوافق, والقدرة علي تجسيد نضال المواطنين عمليا, وجديد التطور المجتمعي… وانعكاس كل ذلك علي الكتابة الدستورية لغة وصياغة من جهة ومفهوميا من جهة أخري…بحيث يأتي المنتج الدستوري حيا لا ورقيا, أو ما أطلقت عليه الدستور الحركة الذي يعبر عن الناس جميعا دون تمييز, لا الدستور النص المنبت الصلة بالواقع,أو في أحسن الأحوال يأتي ليلبي مصالح أو رغبات فصيل بعينه( دستور الغلبة), أو السلطة( دستور ولي الأمر) دون توافق وطني شامل يعلي من الصالح العام. ودعوني أستحضر بعض النماذج للكيفية التي تكتب بها دساتير الموجة الرابعة, ونبدأ في تناول الدستور البرازيلي وذلك في نقاط فيما يلي:


أولا: بداية لابد من الإشارة إلي أن النصوص لا توضع بشكل إنشائي منفصل عن الواقع بل تعبر عن الرؤية العامة التي ارتضاها البرازيليون لإدارة شئون البلاد…كذلك هناك المبدأ الدستوري وكذلك الإطار العام لإمكانية جعله موضع التطبيق من جهة وكيف يكون هذا الإطار مرشدا لأي قوانين تكميلية.من هنا تأتي دساتير الموجة الرابعة طويلة بعض الشيء وذلك لضمان ألا تأتي القوانين لاحقا متناقضة مع المبادئ الدستورية.


ثانيا: نأخذ الحقوق الاجتماعية كمثل عملي للكيفية التي تكتب بها المبادئ الدستورية: تنص المادة(6), علي تحديدها تفصيلا بأنها: التعليم, والصحة, والعمل, والسكني(أضيفت لاحقا), ووقت الفراغ, والأمن, والضمان الاجتماعي, وحماية الأمومة, والطفولة, ومساعدة المعوزين, هي حقوق اجتماعية. وفي المادة(7) يتحدث الدستور عن حقوق العمال الحضريين والريفيين رابطا الحقوق بشرط الالتزام بتحسين الأوضاع الاجتماعية…ثم يضع الدستور34 نصا/شرطا لضمان تحقيق المادة(7) بحيث تتحقق الحقوق الاجتماعية للفئات المختلفة المذكورة في المادة(7).
وفي هذا المقام نشير إلي أن الـ34 شرطا تتناول تفصيلا, نظام الأجور, وساعات العمل والإجازات, وتحديد طبيعة ومعني العمالة, وتنظيم أخذ المكافآت السنوية والأرباح, والبدلات العائلية إذا كان الأجر منخفضا لتعويض العامل وخاصة إذا كان يعول, والمساعدات الاجتماعية المجانية من أجل الأطفال والمعالين من المولد حتي بلوغهم السادسة, الاعتراف بالتفاوضات العمالية الجماعية ومواثيقها المحلية والدولية, حماية العاملين وخاصة من آثار الميكنة, علاقات العمل وتحديد الالتزامات المتبادلة بين صاحب العمل والعاملين وفق مدد العمل, وحماية سوق العمل للمرأة, وشروط نظام الفصل وتناسبه مع مدة الخدمة, التأمين ضد حوادث العمالة ومسئولية الإدارة, حظر العمل الليلي أو الخطر أو غير الصحي, التكافؤ بين العمالة المؤقتة والدائمة.
ما سبق هو نموذج للموجة الرابعة من الكتابة الدستورية نقدمه علي سبيل المثال لا الحصر. وعلينا أن نتأمله مليا.


ثالثا: بداية نجد التضفير; الذي أشرنا له من قبل ـ; فالنص الدستوري لا يتحدث حول الحقوق الاجتماعية في المطلق. بل يربطها بالواقع العملي. وإذا كانت البرازيل قد اختارت الاقتصاد الحر كأساس لنظامها الاقتصادي(المادة1) فإن هذا لا يعني ضمان العدل الاجتماعي والمواطنة والكرامة الإنسانية, أو بناء مجتمع حر وعادل ومتضامن كما جاء في المادة(3). ومن ثم لابد من أن يتجسد هذا في منظومة العمل. كما أن الحديث عن التمييز ضد المرأة أو الأطفال لا يكون في العموميات يربطه أيضا بالعمل وفي تجلياته المختلفة… ومن خلال اندماج كل المواطنين في العملية الانتاجية.
أخيرا حديث بعض الفقهاء عن الدساتير القصيرة غير منضبط لأنه يقف عند الدساتير التأسيسية, حيث المجتمعات لم تكن تعقدت بعد. كذلك حديث البعض الآخر عن أن دستور منتصف الليل كان الأفضل نقول لا لم يكن بالقراءة المقارنة.. ونتابع..

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern