الوثيقة الدستورية‏:‏ نص توافقي و حي‏...‏

بغض النظر عن عدم القدرة علي توفير التوافق حول دستور جديد للبلاد‏…‏وإصرار بعض التيارات علي أن الدستور يقر في ضوء الغلبة وفي منتصف الليل‏…‏إلا ان ما هو إيجابي أن مصر تعيش حالة دستورية علي مدي ثلاثين شهرا‏

من مظاهر هذه الحالة هو الاجتهادات المتنوعة التي بادرت بها العديد من الشخصيات والجهات في محاولة منها للمساهمة في إصدار دستور يليق بمصر الجديدة…وثيقة دستورية تعبر عن نص توافقي وحي; لا ورقي…
مبادرات ثرية وعميقة نذكر منها علي المستوي المؤسسي والحركي:وثيقة الأزهر, ووثيقة التيار الرئيسي, ووثيقة المجلس الوطني, ووثيقة الدستور الشعبي, ووثائق مؤتمر الوفاق القومي الذي رعاه الدكتور يحيي الجمل( مجموعة أوراق بحثية حول الدستور في أبعاده المتنوعة تصل إلي أكثر من40 دراسة), ووثيقة الدستور الثقافي المصري, ووثيقة المنظمات الأهلية, ووثيقة السلمي, ووثيقة التحالف الوطني التي ضمت الإخوان…الخ, كما نذكر علي المستوي الفردي وثيقتي البسطاويسي, والبرادعي,ومشروع عصام الإسلامبولي,…


مبادرات قدمت نصوصا حية تعبر عن الحالة الديناميكية التي يشهدها المجتمع المصري في شتي المجالاتومن مختلف ألوان الطيف المصري…
وأشهد وقد شاركت في الكثير من هذه المبادرات أن الأمل كان يحدو الجميع في أن تسهم هذه الجهود إلي صياغة نص حي توافقي, يعبر عن جديد ما تشهده مصر من جهة وإلي تطلعات المصريين لما يجب أن تكون عليه مصر من جهة أخري…كل المصريين لا جماعة منهم…


هذا وقد واكب هذا الجهد النضالي الإبداعي, جهدا في توثيق تراثنا الدستوري ومساره التاريخي لضبط الكتابة الدستورية…لأنه لا يليق أن نكتب مبادئ دستورية تكون أقل مما بلغته كتابة المبادئ الدستورية تاريخيا. كما أنه لا مجال لما يمكن أن نطلق عليهالارتدادات الدستورية…وعلي الجانب الآخر لا يليق أن نستعيد مبادئ دستورية تجاوزها الزمن…ونذكر في هذا المقام:كتاب الدساتير المصرية نصوص ووثائق:1866 ـ2011 لأحمد زكريا الشلق, وفي مسألة الثورة والدستور ونظم الحكم لليلي تكلا, ومجموعة دراسات دستورية لصلاح عيسي, والتاريخ الدستوري المصري لمحمد نور فرحات وعمر فرحات, ورحلة الدستور المصري عبر التاريخ لأحمد زكي…الخ,إنها حالة زخم دستوري عشناها وسعدنا بها…تقارب ـ فيما اظن ـ ما عاشه أجدادنا في نضالهم الدستوري الاول الذي بدأ إبان فترة الحاكم إسماعيل(1863 ـ1879) وما بعدها, ووصفها الإمام محمد عبده بقوله:إن اهالي بلادنا المصرية دبت فيهم روح الاتحاد وأشرقت نفوسهم منه علي مدارك الرأي العام. فهم بهذا الاستعداد العظيم أهل لأن يسلكوا طريق الشوري وسن قانون- دستور يراعي فيه ضبط المصالح علي الوجه الملائم. يتبادلون فيه الأفكار الحرة, والآراء الصائبة…


والسؤال هل استفدنا من كل ما سبق؟ وهل استثمرنا الروح الدستورية التي دبت عند كثيرين؟ هل راعي دستور منتصف الليل ضبط المصالح ؟…أظن أن القراءة المتأنية في نص منتصف الليل, ومقارنته بتراثنا الدستوري والموجة الجديدة من الدساتير التي عرفها العالم سوف يشهد مدي الفجوة الكبيرة…وأشير إلي الكتاب الذي أصدره الأخ الكبير الدكتور وحيد عبد المجيد في دراسته/شهادته علي أعمال الجمعية التأسيسية لدستور2012 حيث يقول في المقدمة:… ولكن ما أن اطمأن الإخوان إلي أن السلطة أصبحت بين أيديهم, بعد أن أبعد الرئيس محمد مرسي المجلس الأعلي للقوات المسلحة من المشهد السياسي عبر الإعلان الذي أصدره في12 أغسطس2012, حتي اعتبروا الدستور ركنا أساسيا في مشروع الهيمنة والتمكين الذين وجدوا أن الطريق بات مفتوحا إليه. وعندئذ, ومنذ أوائل سبتمبر2012, بدأ تراجع الإخوان التدريجي بطريقة ناعمة عن تعهدهم بدستور توافقي…(أزمة دستور2012: توثيق وتحليل ـ شهادة من داخل الجمعية التأسيسية ـ نعود للكتاب لاحقا)…


ولد دستور منتصف الليل منقطعا عن الزخم الدستوري الذي شهدته البلاد والذي ولد روحا دستورية غير مسبوقة…لذا كان غير توافقي, يتسم بالغلبة…شائه وفاقد الروح…ـ في النهاية مجرد دستور من ورق, إذا ما استعرنا عنوان كتاب جوناثان براون دساتير من ورق(ترجمة محمد نور فرحات)…النص الدستوري في واقع الحال وكما كتبنا مرة( راجع دراستنا فلسفة الكتابة الدستورية),ليس:
نصا أخلاقيا, أو نصوصا إنشائية ترص إلي جوار بعضها البعض,أو نصوصا عامة لا يربط بينها رابط,
إنه عمل إبداعي يقوم علي فلسفة مركبة تعكس موقفا علي المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية تجاه الواقع المتغير…بتوافق كل أطراف العملية السياسية…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern