من يحكم العالم؟

المساواة ولا شيء غير المساواة‏…‏إنه الحلم الذي تناضل الانسانية من أجله ويناضل المواطنون في كل وطن لجعله حقيقة‏…‏هذه العبارة في ظني تلخص المسيرة الانسانية عبر التاريخ‏.‏

ومنذ القرن العشرين إلي يومنا هذا بشكل خاص…ولكن مصالح البعض تحول دون تحقيق المساواة…هذه هي خلاصة المحاضرة التي شاركت بها عن العلاقة بين المواطنة وفي القلب منها المساواة وبين التنمية من منظور حقوقي في إطار الندوة التي نظمتها المنظمة العربية لحقوق الانسان بالاشتراك مع جامعة الدول العربية الأسبوع الماضي… وللتدليل علي هذه المقولة استعرضنا أربع مراحل مرت بها البشرية منذ1929 وإلي الآن… في البدء نقول لماذا1929 لأنه تاريخ الأزمة الاقتصادية الأبرز ـ والتي عرفت باسم الكساد الكبير ـ التي جرت في تاريخ الانسانية وأضاءت جرس انذار علي الاختلالات والتفاوتات الرهيبة بين البشر. وهنا بدأ الجدل حول كيف يمكن تحقيق المساواة. واجتهد الفكر الاقتصادي من أجل تحقيق حلم المساواة ويمكن أن نلخص هذه المرحلة تحت عنوان البحث عن المساواة وهي مرحلة استمرت من1929 إلي1945 أي إلي نهاية الحرب العالمية الثانية…


وبعد انتهاء هذه الحرب أمكن التوافق علي ضرورة تحقيق المساواة…فكل الأطراف الرئيسية اللاعبة والفاعلة آنذاك خرجت من الحرب وشعوبها تضغط عليها بأن تكون هذه الحرب هي آخر الحروب. وفي نفس الوقت يحدوها الأمل في حياة كريمة… لذا كان التوافق ويمكن أن نلخص هذه المرحلة التي استمرت من1945 إلي1979 بأنها مرحلة السعي لتحقيق( أو محاولة تحقيق) المساواة للجميع… وأوضحت هذه المرحلة أن هناك من يحكم العالم: بعض الدول, المؤسسات المالية الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية,والشركات العابرة للجنسيات والقارات,والبورصات,…الخ.وإن هذه التسوية تمت برضا منهم…وقد عكست دراسات من عينة سياسة ملء البطون وغيرها الكثير والكثير حول هذه المرحلة التي أقر فيها مبدأ المساواة للجميع…وهي أيضا المرحلة التي طرحت فيها اجتهادات دينية راديكالية تقدمية فيما يتعلق بالمساواة… وفي1979 جري انقلاب كبير في الاقتصاد العالمي. قادته تاتشر أولا, ثم مع ريجان في1980 من خلال ما عرف تاريخيا باتفاق واشنطن ذلك بتطبيق سياسات الليبرالية الجديدة أو النيوليبرالية…وهي السياسات التي قادت العالم إلي الأزمة الاقتصادية في.2009 الأزمة التي كشفت بكل وضوح أن المرحلة من1979 إلي2009 كانت مرحلة عنوانها المساواة المهدرة حيث تم العصف بالمساواة والإخلال التام بكل أشكال المساواة بين البشر, وليس فقط بالاتفاق الذي تم بضرورة تحقيق المساواة للجميع بل بقضية المساواة نفسها التي كشفت عنها أزمة.1929 والنتيجة أن العالم بات يوصف بأنه مجتمع الخمس أو مجتمع القلة الثروية في مقابل الأربعة أخماس من الفقراء…


وفي هذا السياق تبين أن أزمة2009 لم تكن إلا ذروة لأزمات مر بها العالم منذ تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة كان هناك من يحتويها. وللتذكير نشير إلي الأزمة المصرفية السويدية1990, ومرورا بالأزمة اليابانية من1995 إلي2000, والأزمة الآسيوية الشهيرة1997 ـ1998,… الخ.
وكان من الطبيعي ألا يلتفت أصحاب المصلحة إلي الكثير من الكتابات التي كانت تحذر من سياسات الليبرالية الجديدة أو سياسات اقتصاد السوق المفتوح بلا ضوابط… كتابات مبكرة لأندريه فرانك وسمير أمين وجيوفاني آريجي, ثم كتابات سيرج لا توش, ونعومي كلاين… وغيرهم… إلا أن أزمة2009 كانت من الاستفحال ما دفع كتابا ممن كانوا يدعمون سياسات الليبرالية الجديدة بأن يراجعون أنفسهم…فوجدنافوكوياما ـ الذي كتب يوما عن نهاية التاريخ(1989), عقب تفكك الاتحاد السوفيتي مؤكدا الانتصار النهائي لليبرالية ـ هو نفسه, مقولة مضادة مطلع هذا العام(2009) نهاية النيوليبرالية وهو ما دعانا إلي أن نطلق عليه كاتب النهايات… بل دفع جوردون براون رئيس وزراء بريطانيا العمالي الي أن يعلن إدانته التامة لسياسات الليبرالية الجديدة وضرورة مراجعة هذه السياسات وهو ما وصفته ـ آنذاك ـ بأنها بريسترويكا رأسمالية…مهما تضرر أصحاب المصالح… ولعل المعركة التي خاضها أوباما من أجل نظام الرعاية الصحية تعكس جوهر الأزمة… أزمة الصراع بين تحقيق المساواة أو الاقتراب من ذلك وبين أصحاب المصالح… الذين يحكمون العالم ويحولون دون تحقيق المساواة حلم الانسانية/ والمواطنية التاريخي… بالرغم من فشل سياسات الليبرالية الجديدة… من هم وماهي سلطاتهم وكيف يقاومون؟… أسئلة سوف نستعين بمجموعة من المصادر المهمة الجديدة للإجابة عنها… نتابع في مقالنا القادم..

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern