المسألة الدينية بين زمنين

تعكس ردود الأفعال علي واقعتي الخصوص ومن بعدها الكاتدرائية‏,‏ علي أن هناك من لم يزل يقرأ أحداث ما أطلق عليه العنف الديني بنفس المعايير التي كانت تقرأ بها هذه الأحداث في بداياتها سنة‏.1970‏ وعليه يتم استدعاء الحديث عن تقرير تقصي الحقائق الذي صدر عن مجلس الشعب ـ آنذاك

وعرف بتقرير العطيفي وكأنه المنقذ ـ. واقع الحال لابد من فهم أن السياق اختلف وأن الزمن غير الزمن…فالمسألة الدينية في مصر سارت في مسار متصاعد حيث تداخلت مراحله وأدت إلي ما نحن فيه. كما أنه لا يجب القبول باستمرار قواعد اللعبة القديمة التي حكمت إدارة المسألة الدينية علي مدي عقود, واظن أن25 يناير عندما انطلقت قد غيرت الكثير من هذه القواعد شئنا أو لم نشأ.
بداية لابد من إدراك أهمية العلم والمعرفة والتوثيق في حل مشاكلنا المزمنة. فمثلا تقرير العطيفي وهو تقرير زس تعبيرا عن وقته. كانت لم تزل فيه الدولة المصرية تثمن المؤسسية وتقاليد الدولة الحديثة ومن ثم تشكل لجنة برلمانية وليس لجنة عرفية لدراسة واقعة الخانكة, قبل أن تأخذ الدولة في السير نحو سلوكيات ما قبل الدولة الحديثة وتفرط في تقاليدها الحداثية وتعتمد اللجان العرفية آلية للحل وهي آلية ما قبل الدولة الحديثة كما أشرنا أكثر من مرة. كما أن هذا التقرير صدر في ظل مرحلة كانت الأحداث ذات نوعية واحدة تتلخص في الهجوم علي الكنائس. وبالبحث استطعنا أن نرصد واقعة زس(1970)11. فإن تقرير العطيفي ناقش ثلاثة موضوعات وذلك كما يلي: أولا إقامة الكنائس, وثانيا الدعوة والتبشير, وثالثا الرقابة علي الكتب الدينية…واظن أن الواقع قد أضاف الكثير من الموضوعات الملتبسة.ونشير أنه في1979 كتب مريت بك غالي تقريرا طبع منه100 نسخة ووزعه علي المسؤولين في محاولة منه للمساهمة في تقديم الحلول.


فلقد شهد مسار المسألة الدينية/ النزاع الديني في مصر تحولا آخر بعد المرحلة الأولي التي أطلقت عليها: المرحلة العنفية,حيث شهدت عددا من العمليات من قبل جماعات العنف المسلح. تحول سار في ثلاث مراحل لاحقة: الثانية وأسميتها زس التناحر القاعدي علي المستوي الشعبي بداية من واقعة العياط. وتداخلت المراحل مع بعضها وتشابكت وبقيت تبعاتها وتداعياتها دون حلول.


ومع تغير الحاكم والسماح بنقاش القضية بعض الشيء في الإعلام والإطار الثقافي والبحثي انطلقت كتابات كثيرة مبكرة لكل من: وليم سليمان قلادة, وطارق البشري, ونادية رمسيس فرح, ونبيل عبد الفتاح, وأبو سيف يوسف, ونيفين مسعد…الخ. وتوالت الندوات مثل التي عقدتها لجنة مقاومة التطبيع والثقافة القومية…وتكررت محاولات انشاء كيانات تتعامل مع المسألة الدينية مثلما حدث في1991 من عمل لجنة مشتركة بين الأزهر والكنيسة وبمشاركة بعض العناصر المدنية والتي سرعان ما توقف عملها بعد ثلاث جلسات.


والقراءة السريعة للمعالجات التي تناولت المسألة الدينية نجد أن التأخر في حلها والتوجه للحاكم بالأساس لحل الأمر, والاعتماد علي البيروقراطية الأمنية في التعاطي مع هذا الملف قد جعل المسألة تتعقد وتتداخل أبعادها خاصة مع تدني أحوال المصريين والأوضاع العامة للبلاد. وهنا مربط الفرس, فالسياق الذي برزت فيه المسألة الدينية والذي كان من السهل مواجهتها ببعض الإجراءات, لم يعد هو هو نفس السياقالذي تغير جذريا. بدليل الأشكال المتتالية التي مرت بها المسألة الدينية كما أوضحنا.


كما أن انطلاقة25 يناير أتت بسياق آخر بل أكثر أتت بزمن آخر. من حيث اللاعبين في المعادلة السياسية, وبظهور شبابي لافت, والتوجه المجتمعي لحل المشكلات وليس لولي الأمر فقط,…الخ. زمن يحتاج إلي معالجة مركبة وليست جزئية, تدرك خطورة تعرض كيان وطني ممتد ومستمر عبر2000 سنة ويزيد هو الكنيسة القبطية لهجوم سافر مثلما حدث, وأن هذا التطاول حدث بعد ما حدث مع الأزهر. وأن واقعة الخصوص مرشحة للتكرار لأسباب كثيرة…
الخلاصة…نحن أمام زمن آخر لن يقبل فيه المواطنون قواعد اللعبة القديمة. زمن جديد يحتاج إلي المؤسسية والعلم لمواجهة المسألة الدينية. وهو ما طرحناه مكتوبا وقت وزارة عصام شرف الأولي تحت اسم آلية عبور( ابريل2011), وتطور الأمر لتأسيس مجلس متخصص.
بيد انني أتصور الآن مع تداعيات الكثير من الوقائع التي جرت خلال السنتين الأخيرتين اننا في حاجة إلي حركة مجتمعية شاملة: سياسية ومدنية وثقافية, لمواجهة المسألة الدينية في شكلها المركب.
معالجة تأخذ في الاعتبار ما يعرف: بتاريخية المسالة الدينية, وجغرافيتها, وسوسيو ـ إكينوميك( أي البعد الاجتماعي/ الاقتصادي) للمسألة الدينية…من خلال: آلية تنبيه مبكر, وآلية احتواء مؤسسية, وحزمة من التدخلات المجتمعية المتنوعة…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern