الطليعة21, هي الإصدار الثالث لمجلة اليسار المصري الرئيسية منذ الستينيات. كان إصدارها الأول في يناير1965 وحتي مارس1977 حيث أغلقت في أعقاب انتفاضة يناير من نفس العام.
ثم صدرت بعض الاعداد المتفرقة في الثمانينيات. ومع انطلاق الحراك الثوري في25 يناير2011 عادت الطليعة21 لتصدر ـ ككتاب غير دوري مرة أخري وصدر منها حتي الآن أربعة أعداد.
وقبل الحديث عن الإصدار الجديد, من الأهمية بمكان أن نشير إلي أهمية الطليعة ـ تاريخيا ـ بالنسبة للمسيرة الفكرية والسياسية المصرية. أنها تعد طليعةالدورياتالتي عرفتها مصر مع الفورة الثقافية التي انطلقت في الستينيات. فهي لم تكن دورية نمطية تصدر كل شهر. بل كانت مدرسة فكرية وسياسية رفيعة المستوي. لا تقل بأي حال من الأحوال عن الدوريات العالمية التي انطلقت في نفس الوقت مثل الحوليات الفرنسية,ودورية اليسار الجديد البريطانية,…الخ. تولي مسؤوليتها لطفي الخولي. وبالرغم من أن عبد الناصر قد أتاح لهم أن يبشروا بالاشتراكية دون قيود, بحسب ما جاء في اللقاء الوحيد الذي التقي فيه ناصر أسرة تحرير الطليعة( نقلا عن محمد سيد أحمد). إلا أن الطليعة لم تكتف أن تكون مجلة اشتراكية فانفتحت علي التيار الوطني الواسع من رموز مصر.
ناقشت الطليعة قضايا مثل: المسألة الفلاحية, والنقابية والعمالية, والحركة التعاونية. بالإضافة إلي الملاحق الأدبية والفنية والفلسفية, والوثائق المتميزة والتأصيل للمفاهيم السياسية والاجتماعية المتنوعة. ولا أنسي التحليلات الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي والمتابعة الدؤوب للمتغيرات الإقليمية والدولية والنقل الحي لجديد العالم الثقافي. وكانت تضم أهم العقول في مصر مثل: ميشيل كامل, اسماعيل صبري عبد الله, وابراهيم سعد الدين, وأبوسيف يوسف, أمين عز الدين, وعبد المنعم القصاص, وعبد الرازق حسن, ومصطفي طيبة, وخيري عزيز, ورفعت السعيد, وحسين شعلان, وغالي شكري…الخ. وانفتحت الطليعة علي كل الرموز الفكرية الوطنية المنحازة للدولة الوطنية العادلة والحرة وإن لم تكن تاريخيا محسوبة علي اليسار تنظيميا مثل: وليم سليمان قلادة, وعادل غنيم,…الخ.
استطاعت الطليعة أن تشكل فكر وثقافة جيل بأكمله. لذا اعتبرت السلطة أن الطليعة كانت ضالعة بصورة أو أخري في أحداث انتفاضة1977, فأغلقتها في مارس من نفس العام. وهو العام الذي شهد تحولا جذريا في توجهات وتحالفات النظام السياسي أو ما يمكن تسميته بدولة يوليو المضادة. والذي حمل قرارا بتصفية وحصار اليسار فكانت الملاحقات الأمنية المتواصلة والعنيفة لكوادر التجمع واليسار في العموم.
حاولت الطليعة أن تواصل دورها في الثمانينيات, ومن بعدها في تجربة مهمة جدا مجلة اليسار التي رأس تحريرها حسين عبد الرازق ـ لمدة10 سنوات( من1990 إلي2000) كي يكون هناك صوت لليسار يعكس رؤيته لما يجري في البلاد وللعباد. ولكن إعصار الليبرالية الجديدة كان قويا.
ولكن انطلقت25 يناير,فأعادت الاعتبار إلي المسألة الاقتصادية والاجتماعية في مصر وجددت وعي المواطنين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية, وأهمية فهم أوضاعهم المعيشية, وبلغة أخري وكأنها تجدد شرعية اليسار المصري وأهميته في المسيرة الوطنية المصرية, فكانت الطليعة.21 فلقد جاءت في موعدها تماما لتعبر عن سياق جديد آخذ في التشكل, وتكون حال الكتلة الجديدة الحية. تأتي الطليعة21 لتقول من خلال العنوان( طليعة القرن الجديد/ المستقبل) أنها تعبرعن زمن جديد يتجاوز الشمولية ببعديها: السياسي والديني. فهي كما جاء في مقدمة العدد الأول ابنة اللحظة الثورية, التي تعيشها مصر بفضل ثورة25 يناير الشعبية التي فجرها شباب مصر. ويدرك فريق العمل الذي يقود الطليعة21 أنها تصدر لا لتعيد إنتاج ثقافة زمان مضي في زمن حاضر, ولا تكرر أفكارا أو مقولات تجاوزتها الأحداث والوقائع.
والقراءة الأولية لما تضمنته الأعداد الأربعة سوف يجد القارئ كيف أنه في خضم مسار المرحلة الانتقالية التي استغرقنا كلنا في تفاصيلها السياسية المرهقة وأوصلتنا إلي ما نحن فيه من تأزم. أقول كيف كان هناك من يحاول أن يتأمل المشهد ويقترب منه بدرجة من التحليل لذا نجد عناوين الملفات والأبحاث والمقالات والحوارات والندوات والتحقيقات التالية: اقتصاديات الثورة والثورة المضادة, الجيش والثورات في مصر تاريخيا وحاليا, الاسلاميون ومستقبل مصر, الثورة الواقع والتحديات,الطاقة كارثة مصر المقبلة, الأزهر والكنيسة والسياسة,الإسلام السياسي والمرأة بعد الثورة, دولة أصحاب الفضيلة, الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدساتير, مصر إلي أين؟…الخ…
تحية للطليعة21 وللصديقين إيمان يحيي ومصطفي الجمال…ولليسار الذي عليه مسؤولية وطنية في لحظة تاريخية فارقةيناضل فيها المصريون من أجل العدالة…وهو ما يحتاج لمزيد من الحوار حول مهام اليسار…