أستاذ الأجيال وشخصيته الحضارية

كان حلم حياة أحمد لطفي السيد هو أن تنال مصر الحرية‏…‏بدستور حر‏,‏ وتعليم حر‏,‏ وكرامة وطنية‏…‏لأن الحرية هي الحياة‏,‏ بل أعز من الحياة‏,‏ وهي لرقي الإنسان كالروح للأبدان‏….‏

نواصل حديثنا عن أستاذ الأجيال أحمد لطفي السيد الذي كانت حياته متسقة بالتمام مع ما كان ينادي به ويكتبه. لقد كان شغله الشاغل هو أن تكون مصر وطنا للحرية والديمقراطية والمقاومة للاستبداد…مصر الاستقلال الوطني. كانت هذه هي الموضوعات الرئيسية التي شكلت محتوي رؤيته الفكرية, ووجدناها تحتل الصدارة في كتاباته وترجماته. كما كانت بمثابة معايير حاكمة لسلوكه وممارساته ومواقفه السياسية والعامة والوظيفية. وفي مستهل مذكراته قصة حياتي يقول:نشأت في أسرة مصرية صميمة لا تعرف لها إلا الوطن المصري,ولاتعتز إلا بالمصرية, ولا تنتمي إلا إلي مصر..ذلك البلد الطيب الذي نشأ التمدن فيه منذ أقدم العصور..وله من الثروة الطبيعية والشرف القديم ما يكفل له الرقي والمجد…يبدو لي أن فهمه لما تحمله مصر من قيمة حضارية قد انعكس علي تركيبته الإنسانية. حيث اتسمت شخصيته بالتوازن بين: الخصوصية الحضارية المصرية وبين الانفتاح علي الثقافة العربية والغربية;
لم يكن احمد لطفي السيد قوميا شوفينيا( متعصبا لمصر)…كما يحب أن يقدمه البعض وإنما كان يعرف ماذا تعني مصر المركب الحضاري, وكيف تستحق مصر أن تكون مستقلة وغير تابعة لأي احد مهما كان. وقد جسد عمليا هذا المركب الحضاري من خلال اتقانه اللغة العربية, وانفتاحه علي الثقافة العالمية. وعلي استيعابه للتراث العربي وعلي الفكر اليوناني في صورته ثقيلة الصنع كذلك علي خلاصة الفكر والأدب الأوروبي. وتكفي مجموعة مقالاته حول اللغة العربية التي كتبها في عام1913 من جهة, وترجماته لمؤلفات أرسطو: الأخلاق, والسياسة,…لتعكس هذه القدرة المركبة علي أن يحمل في ذاته هذا وذاك. ويكتب عن المدينة المنورة وعن رحلته إلي اوروبا دون خصومة أو ارتباك حضاري…


لقد كان لطفي السيد ابن القرية تربي فيها وتعلم فيها القرآن واللغة العربية ومثلت نقطة انطلاق للمدينة. ولكن لم تنقطع صلته بالقرية التي كان يعود إليها مع كل نقطة فاصلة من حياته. ومن الملامح التي اتسمت بها شخصية لطفي السيد ـ أيضا ـ هي أنها كانت:
شخصية متعددة الأبعاد والخبرات; فلقد عمل في السياسة أولا في إطار تنظيم سري مع صديقه الوطني الكبير عبد العزيز فهمي وأحمد طلعت حيث شكلوا جمعية سرية لتحرير مصر من الاحتلال في ثمانينيات القرن الـ.19 وعمل في العلن وشارك سعد زغلول في بلورة موقف سياسي وطني من إعلان الهدنة في مصر11 نوفمبر.1918 كما عمل مديرا لدار الكتب. ومديرا لجامعة القاهرة عام.1925 وكان صاحب فكرة تأسيس المجمع اللغوي العربي, وترأسه سنة1945 وظل رئيسا له حتي توفي في.1963 وشغل منصب وزير التعليم في…1928


وقد اسهمت هذه الخبرات أن تثقل شخصية الأستاذ,بالرغم من أن هناك من يأخذ عليه تورطه في بعض الأمور مثل قبوله أن يعمل وزيرا في حكومات غير وفدية…وفي تفسير ذلك قال:إن الحاكم في ذلك هو تأكيد الديمقراطية…خاصة في مواجهة استبداد الأغلبية التي تعوق تمرير كثير من التشريعات الطيبة…
وتشير مواقفه إلي انه لم ينحن ولم يقبل الحلول الوسط. وهنا يأتي موقفه المبدئي عندما استقال احتجاجا علي تدخل وزارة المعارف( إبان حكومة إسماعيل صدقي سنة1932) في إدارة شئون الجامعة المصرية وجرح استقلالها, حيث قامت بنقل طه حسين من عمادته بكلية الآداب إلي وظيفة إدارية…ونذكر هنا نص استقالته التاريخية التي وضعت تقاليد مقدرة في هذا الشأن.


وأخيرا تفرغ أحمد لطفي السيد للترجمة التي رأي أن بلداننا في حاجة إليها. ترجمات مثلت مع كتاباته الأولي: بنية تحتية معرفية في مجالات, السياسة, والأخلاق, والنهوض الوطني, والديمقراطية والحرية…وحرية التعليم, وحرية القضاء, وحرية الصحافة, وحرية الاجتماع, وحقوق الكافة وسلطة التشريع, ورسالة الجامعة واستقلاها, ودعمه قضايا المرأة, وحدود الطاعة,…هذا بالإضافة إلي خطبه السياسية التي تعد ثروة وطنية وتاريخية ولغوية ثمينة جدا…
رحم الله أحمد لطفي السيد في ذكري وفاته الخمسين(مارس1963) جدنا الذي ناضل من أجل الحرية والعدل والكرامة الإنسانية…ولم تزل روحه متقدة في نفوس أحفاده يناضلون من أجل هذه القيم التي اعتبرها لطفي السيد فضائل يقاس بها تقدم الوطن المصري الحديث…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern