التقدم الهندي‏..‏ عدالة واندماج وحداثة

لماذا يتقدم الآخرون؟‏.‏ سؤال بدأ طرحه الطهطاوي‏,‏ أبو الفكر المصري الحديث‏,‏ وكذلك جمال الدين الأفغاني‏,‏ والإمام محمد عبده‏,

وعبدالله النديم وطه حسين. كذلك المحدثون من أمثال أنور عبد الملك ومحمد سيد أحمد وغيرهم…ولا يزال السؤال مطروحا. الذي اختلف منذ أن طرح السؤال علي يد الآباء الأول للفكر المصري الحديث, هو ان الآخرين كانوا الغرب التقليدي, بينما الآخرون الآن نجدهم يبزغون من آسيا وأمريكا اللاتينية. في الأسبوع الماضي حاولنا أن نلقي الضوء علي التجربة اللاتينية من خلال بعض رموزها: البرازيل وتشيلي. واليوم نقترب من التجربة الهندية.


منذ أقل من عشر سنوات, كتب الراحل الموسوعي محمد سيد أحمد عن الهند مشيرا إلي أنها أصبحت يد الدولة الثانية في العالم في تصدير الـSoftWare وهو ما سيعود عليها بما يقرب من15 مليار دولار. وكانت هذه الإشارة بداية لأن يتابع المرء تحولات التجربة الهندية وكيف خاضوا طريق التقدم.


كيف تقدمت الهند؟ وكيف استطاع الفيل الهندي أن ينطلق نحو التقدم؟
ثلاث كلمات مفتاحية تلخص التقدم الهندي كما يلي: العدالة بالمعني الشامل: السياسية والاجتماعية, الاندماج التام بين كل المواطنين الهنود علي اختلافهم, علي اعتبار أن الهند تعد من المجتمعات ذات الثقافات المتعددة, وأخيرا الحداثة بالأخذ بالعلم والمعرفة في كل المجالات. فلقد استطاعت النخبة السياسية التي قبلت بتحالف مكوناتها المختلفة(حزب المؤتمر وعدد من الأحزاب), أن تضع رؤية شاملة للتقدم الهندي يمكن أن نوجز عناصرها في النقاط الست التالية:
1 ـ تأمين معدل نمو سنوي بنسبة لا تقل عن7 إلي8% بهدف تحسين فرص العمل.
2ـ تحسين أوضاع المزارعين و العمال خاصة في القطاعات غير الرسمية. وإطلاق ما يعرف بالبرنامج الوطني للإنماء الريفي, بما يضمن تنمية عادلة في كل المناطق.
3ـ كفالة حقوق المرأة كاملة.
4ـ تأمين تساوي الفرص في قطاعي التعليم و العمل بالنسبة للطبقات الدنيا
وللقبائل والأقليات الدينية.(17 لغة و22.000 ألف لهجة و حضور للديانات وللعقائد الرئيسية),
5ـ تنشيط ديناميكية كافة القوي المنتجة في البلد والحكم السليم.
6ـ محاربة كل الأصوليات و نشر التناغم الاجتماعي من خلال فرض الطابع العلماني
للحكومة الهندية.


وحول كل نقطة من النقاط السابقة وضعت تفاصيل دقيقة وفق أحدث المعايير العالمية في كل مجال. ووفق دستور توافقي رفيع المستوي تفصيلي. والأكيد أن المدخل الحاسم للتقدم تمثل في اتاحة الفرصة متساوية أمام الأجيال الجديدة الناشئة من كل الطبقات الاجتماعية والجماعات الثقافية, للتعامل مع التقنيات الحديثة. فأصبحت مدارس تعليم الكمبيوتر والانطلاق في دنيا الرقميات موجودة في الميادين والشوارع بمقابل زهيد جدا. وتتميز المدارس سواء الخاصة بالنخبة والمخصصة للفقراء بالجودة التعليمية من دون تمييز كذلك بإعداد الشباب الهندي للدخول في اقتصاد المعرفة.


المحصلة, صنف الاقتصاد الهندي بالفعل ـ كأحد الاقتصادات الكبري الأسرع نموا في نصف قرن. وأنه بحلول العام2040 سيصبح الاقتصاد الهندي ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وفي غضون عقد من الزمان بعد ذلك أي عام2050 سيبلغ حجم الاقتصاد الهندي خمسة أضعاف الاقتصاد الياباني. كما سيتضاعف الدخل القومي للفرد35 مرة, وهو ما يحدث الآن, مع معدل نمو يقترب من10%. ومن الأهمية أن نشير هنا إلي أن:
* الشركات الهندية التي تعمل في المجالين الصناعي والتكنولوجي بسرعة مذهلة, تتراوح أرباحها بين15% و25%,تشمل صناعات السيارات والفولاذ والبرمجيات والخدمات الاستشارية, ويشار إلي أن جنرال موتورز عام2008 استوردت( في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية) وحدها قطع سيارات من الهند بما قيمته مليار دولار.


> أكثر من125 شركة عالمية( من أصل500 شركة الأهم عالميا) لديها مراكز أبحاث وتطوير في الهند حاليا.
يتحقق ما سبق في ضوء ديمقراطية تاريخية عريقة, تم تجديدها إيمانا بأن الديمقراطية وحدها هي الكفيلة بحكم الهند المركبة, وتلزم بأن يكون33% من أعضاء مجالس القري من النساء, وعليه نجد نتيجة لذلك أن هناك مليون امرأة منتخبة في القري.
هكذا صنع الهنود خلطتهم للتقدم. خلطة, مكنت ـ كما أشرت مرة ـ الفيل الهندي من أن يحلق في أفق التقدم بالعدالة الشاملة والاندماج والحداثة, حيث لا غني عنهم في التقدم.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern