عصر الانهيار البيئى هو الوصف الذى اعتمده مؤلفا كتاب: كوكب يحترق: مانيفستو لعصر الانهيار البيئى (2021)، لاستعراض ومواجهة الحالة المناخية والاقتصادية والتنموية المرضية الرهيبة التى آل إليها الكوكب... والمؤلفان من الخبراء الشباب المعتبرين والمستقلين، من ضمن كثيرين حول العالم، يجتهدون فى تطوير سياسات جذرية تستجيب لتداعيات الانهيار الكارثية...أو حزمة طوارئ بحسب تعبير بيل جيتس فى كتابه: كيف نتجنب الكارثة الطبيعية: الحلول التى نملكها والاختراقات التى نحتاجها (2021)... ويعد الكتابان، استجابة طيبة لما طلبه الأمين العام للأمم المتحدة من زعماء العالم، فى كلمته فى فعاليات قمة المناخ بإعلان حالة الطوارئ المناخية...ذلك لأن كل ما كان متوقعا حول كوارث المناخ من: حرائق، وفيضانات، وجفاف، وسيول، وأعاصير، وأوبئة، قد بات واقعا مأساويا فى الكوكب ما عرضه للاحتراق حرفيا...
والحقيقة التى لا مفر منها التى توافق حولها المعنيون بالأمر هى أن استمرار الخيار الاقتصادى السائد الذى يعتمد على الموارد الطبيعية الرخيصة كمصادر للطاقة قد أدت إلى إنهاك الطبيعة والإخلال بتوازنها. ونتج عن ذلك ارتفاع درجة الحرارة عن معدلاتها الطبيعية التى كانت سائدة قبل الثورة الصناعية بموجاتها الثلاث المتعاقبة. وقد أدى هذا الارتفاع ــ الذى يبدو ضئيلا ــ إلى حدوث كل ما تشهده الطبيعة من ارتباكات مناخية وبيئية تؤثر اقتصاديا واجتماعيا على جموع مواطنى الكوكب دون استثناء...ومن ثم فإن الوضع لم يعد يحتمل تلك المحاولات العلاجية الخجلة والمتواطئة...وأن تعاطيا جذريا صارما أصبح ضرورة لا بد منها لإنقاذ الكوكب ومواطنيه من الوضع الكارثى المعقد الراهن...
ويقدم كل كتاب وصفة: مانيفستو وحزمة؛ عملية وإجرائية لمواجهة الكوارث الحالية واعتبار الكوكب فى حالة طوارئ...تنطلق الوصفة من إستراتيجية، لا مفر منها، تقوم على هدفين كبيرين ــ بحسب ما جاء فى الكتابين ــ هما:
أولا: تبنى نموذج صناعى جديد يقوم على استخدام الطاقة المتجددة بأنواعها المختلفة. أو بالأحرى بالتحرر من الرأسمالية البربرية التى أخفت عن مواطنى الكوكب كثيرا من الأمور التى تتعلق بالسلامة البيئية للكوكب.
ثانيا: تغيير نمط الحياة السائد بما يتوافق مع حياة خضراء صديقة ورفيقة بالبيئة من خلال رأسمالية اجتماعية.
فى الوقت نفسه، وإلى حين ترسخ النموذج الصناعى الجديد واستقرار نمط الحياة الأخضرــ ونظرا لخصوصية اللحظة التاريخية ــ هناك إجراءات فورية يجب استهدافها لخفض درجة الحرارة وإعادتها لمعدلاتها الطبيعية التاريخية وتتلخص فى الآتى: أولا: المواجهة الحاسمة لانبعاثات غاز ثانى الكربون على مستوى العالم والذى يتسبب بشكل مباشر فى رفع درجة حرارة الكوكب. ويعنى ذلك عمليا التوقف عن استخدام الوقود الحفرى فى مد العملية الصناعية بالطاقة اللازمة. ثانيا: تعميم استخدام ما يعرف بالطاقة البديلة النظيفة والمتجددة. ثالثا:علاج المساحات الخضراء التى تضررت بفعل الحرائق خلال الفترة الماضية خاصة غابات الأمازون البرازيلية ــ التى تتعرض لحرائق دورية ــ المنتجة لما يقرب من ربع نسبة الأكسجين لسكان الكوكب ما جعلها توصف بأنها رئة العالم.
ولكى تصبح الإجراءات سابقة الذكر موضع التنفيذ فلابد من أن تتضامن المنظومة الدولية فى تنفيذ هذا الإجراء معا بلا تردد أو تفكير...إذن، فورية الإجراءات وجماعية التنفيذ شرطان أساسيان لإنقاذ الكوكب وجميع مواطنيه دون تمييز...لذا صَدَرَ مؤلفا كتاب: كوكب يحترق (او كوكب على نار) كتابهما بمقولة كتبها الروائى والشاعر والكاتب السياسى جيمس بالدوين (1924 ــ 1987) تقول ــ بتصرف ــ ما نصه: يقينا، لا يمكن أن نوقف الضرر وإحداث تغيير جذرى يمنع هذا الضرر ما لم نبدأ ــ معا وفورا ــ بمواجهته...
أما عن فورية المواجهة؛ فتبدأ مباشرة بإيقاف 51 مليار طن من الغازات الدفيئة أو ما يعرف بالانبعاثات الكربونية لتصبح صفر % لوقف ارتفاع درجات الحرارة والذى يتراوح الآن بين درجة ونصف ودرجتين مئويتين...وهى عملية إن بدأت الآن فإنها لن تتحقق بالتمام إلا بحلول سنة 2050 فى المتوسط...وتتحمل قطاعات الصناعة (خاصة الصلب والأسمنت)، والنقل،وإنتاج الأسمدة، والطاقة المسئولية الأكبر فى إطلاق أكثر من نصف انبعاثات ثانى أكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحرارى، إضافة للعوادم البيئية الناتجة عن استخدام الفريون وغيره من الغازات المستخدمة فى التبريد والتدفئة فى الحياة اليومية...الأمر الذى يستوجب التوقف عن استخدام الطاقة التقليدية فى الصناعة عموما وفى صناعتى الصلب والأسمنت خاصة...كذلك استخدام بدائل نظيفة للفريون وما شابه...ومن ثم سرعة ابتكار خطوط الانتاج التى تتوافق مع الأنواع المختلفة من الطاقة البديلة/النظيفة: كطاقة الرياح، والأمواج، والطاقة الشمسية، والكهربية، والنووية، والحرارية المتولدة من الصخور الجيولوجية الساخنة،...،إلخ... إنها مهام ملحة وتحتاج إلى تخصيص ميزانيات فائقة يقدرها بيل جيتس بما لا يقل عن 100مليار دولار سنويا لمواجهة التدهور البيئى والحيلولة دون حدوث كوارث مناخية... ولعل التحدى الأكبر أمام المعنيين من علماء وساسة واقتصاديين وتنمويين واعلاميين هو مدى استجابتهم الفورية لتجنب الأخطار المناخية ووقف تدهور النظام البيئى وقدرتهم على العمل الجماعى: السريع والمبتكر من أجل إ نقاذ الكوكب...الأمر الذى يعنى فى الوقت نفسه تغيير الخيار الاقتصادى السائد وتصويب نمط الحياة الاستهلاكى الراهن...إنها عملية تاريخية تهدف لتوفير اقتصاد عادل ومن ثم بيئة آمنة.