قرياقص ميخائيل .. الصحفى المناضل «1ـ2»

قليلون هم من يعرفون هذا الاسم الذى تحل الذكرى الخامسة والستون لرحيله، والأهم الذكرى الـ 110 لصدور كتابه المرجعى الرائد: الأقباط والمسلمون تحت السيطرة البريطانية, الذى ألفه بإنجليزية رفيعة المستوى ونشر فى عام 1911 ولم يترجم قط...فمن هو قرياقص ميخائيل؟...فى كلمات مفتاحية يمكن القول إنه صحفى مناضل...ومؤرخ رائد...نعرض فى مقالنا اليوم الجانب الصحفى النضالى له، ونجيب فى مقالنا التالى عن لماذا هو مؤرخ رائد.؟

 

قرياقص ميخائيل (1887 ــ 1956) واحد من سلسال الحركة الوطنية الذى وهب نفسه للدفاع عن حق مصر فى الاستقلال الوطنى وجعلها رسالة حياته، حيث قرر أن يقوم بها من قلب لندن...وحول دوره فى الحركة الوطنية المصرية سوف نعتمد على مقال المثقف الكبير الأستاذ وديع فلسطين (1923): قرياقص ميخائيل: عمدة فى لندن من صعيد مصر (الهلال ــ 1999)؛ حيث يوجز حصاده النضالى بوصفه بأنه: قد نصب نفسه محاميا متطوعا عن قضايا أمته؛ ثم سرد رحلته من صعيد مصر إلى لندن التى وصلها عام 1910.

وكان لدسائس السير إلدون جورست المندوب السامى البريطانى فى الفترة من 1907 حتى 1911وتقاريره المغلوطة لحكومة الاستعمار وللرأى العام والتى استهدف منها إحداث الفتنة بين المسلمين والأقباط أثرها فى انخراط قرياقص فى الحركة الوطنية ليكون عضوا فى التنظيم السرى لثورة 1919 الذى أسسه عبد الرحمن فهمى باشا (1870 ــ 1945) ويكون لسان حال الثورة فى لندن. ويبدو أن القدر قد أعده لأن يلعب هذا الدور...فلقد قرر قبل الثورة بعدة أعوام ــ وتحديدا فى عام 1908ــ أن يتقن الإنجليزية لمخاطبة الرأى العام الإنجليزى بعدالة قضية استقلال مصر وبكشف شرور الاحتلال الإنجليزى ومناوراته ومؤامراته. ويشير عبد الرحمن باشا فهمى فى الجزء الثانى من مذكراته (صدرت عن دار الكتب والوثائق القومية فى سبعة أجزاء) إلى الدور المحورى الذى لعبه قرياقص ميخائيل فى تنظيم مظاهرات الطلبة المصريين فى العاصمة لندن للتعبير عن احتجاجهم على الممارسات الاستعمارية للحكومة الإنجليزية. وكيف تقرر ــ بحسب ما جاء فى المذكرات ــ بالإجماع أن يكون قرياقص أفندى ميخائيل ــ الصحفى المصرى أحد طلبة الفلسفة بجامعة لندرة منظما للمظاهرة التى أقيمت فى ديسمبر 1919وسارت فى شوارع لندن حتى وصلت إلى حديقة هايد بارك الشهيرة رافعة لافتات منددة بالاستعمار. وهناك ارتجل قرياقص خطابا قصيرا ــ بإجماع الحاضرين ــ شرح فيه ــ بصوت رنان ــ فظائع الاستعمار البريطانى فى مصر.

وما كان من السلطات البريطانية أن بادرت باعتقاله وترحيله إلى مصر حيث كان ينتظره ــ يقول وديع فلسطين ــ الاتهام بعضويته فى التنظيم السرى لثورة 1919 مع عبد الرحمن فهمى وإبراهيم عبد الهادى وغيرهما (لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة مذكرات سعد زغلول كما يشار إلى أن قرياقص ميخائيل قد أملى على وديع فلسطين مذكراته حول القضية ولم يتسن له نشرها). وبموجب الاتهام امتثل المتهمون أمام محكمة عسكرية بريطانية. وتحت ضغوط الحركة الوطنية خرج قرياقص بعد عدة سنوات كان فيها رهن الاعتقال ليعود مجددا إلى بريطانيا ليقوم بمأسسة جهده من خلال ذراعين معتبرين: الأول: المكتب المصرى للأخبار والاستعلامات. والثانى: مكتبة عامة.

كان هم المكتب الصحفى نشر مقالات حول الحركة الوطنية المصرية والرد على الافتراءات الاستعمارية. أما المكتبة، فإضافة لعملها المعتاد، فإنها قامت بجهد جليل فى شراء كثير من الوثائق المهمة التى تخص تاريخ مصر السياسى مثل الوثائق الخاصة بالمحامى الإنجليزى برودلى الذى دافع عن عرابى باشا، وغيرها من الوثائق المهمة حيث كان يهبها للحكومة المصرية لاحقا بعد شرائها من مزادات كلفته الكثير من المال. ويشير وديع فلسطين فى مقالته: كيف أن مكتبة الأسد الأحمر ـــ هذا هو الاسم الذى اختاره لها قرياقص ميخائيل ــ قد أصبحت بدأب صاحبها، مع مرور الأيام، تضم الكثير من المراجع الثمينة عن مصر، إضافة إلى الكثير من قصاصات الصحف البريطانية التى تتناول المسألة الوطنية المصرية. ومع تقدم قرياقص ميخائيل فى العمر أمر طه حسين عام 1950 وهو وزير للمعارف (التعليم) باقتنائها وضمها إلى دار الكتب المصرية.

أتاحت له الإقامة فى بريطانيا اللقاء والتعرف بكثير من الساسة ورجال الحكم والصحفيين والمثقفين الإنجليز وغير الإنجليز. ومن ضمن من تعرف عليهم الإمبراطور الإثيوبى حيث استضافه فى منزله عام 1950. لذا تمت الاستعانة به من قبل حكومة الوفد آنذاك ممثلة فى الدكتور محمد صلاح الدين باشا وزير الخارجية وعثمان محرم وزير الأشغال للعب دور فيما عرف بأزمة خزان بحيرة تانا ــ آنذاك ــ وذلك بالسفر للقاء الإمبراطور...هذا هو قرياقص ميخائيل الذى نعاه فضيلة الشيخ أبو الوفا المراغى فى الأهرام ــ قبل 65 عاما بأنه كان من: الرعيل الأول من رجال مصر الأحرار الذين أسهموا فى الجهاد فى فجر نهضتها، واشترك مع سعد زغلول وإخوانه فى الحركة الوطنية...ونتابع حديثنا عن قرياقص ميخائيل باستعراض كتابه الرائد...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern