مصطفى الحفناوى

(1)
«الذكرى الـ 65 لتأميم قناة السويس»

الأحداث الجسام فى حياة الشعوب، والتى لا يمكن أن تسقط من الذاكرة الوطنية قط، هى الأحداث التى تغير من مسارات التاريخ، وتكون نقاط تحول بين مرحلتين.. من هذه الأحداث قرار «تأميم قناة السويس» عام 1956، الذى حلت ذكراه الـ 65 فى 26 يوليو الماضى.

وتأميم «القنال» لم يكن قرارا ذا تأثيرات وطنية محلية وإنما تجاوزت آثاره السياق المصرى إلى بنية النظام العالمى ما بعد منتصف الخمسينيات، ليؤسس للحظة تاريخية كونية جديدة ذات قواعد جديدة.. لذا وُصف قرار تأميم قناة السويس ـ بحسب مصادر جديدة صدرت فى الذكرى الستين لتأميم «القنال» أشرنا لها فى أكثر من مناسبة ـ بأنه: كان البداية التاريخية لعملية (تفكيك الاستعمار التقليدى التاريخى).. ومن ثم بناء منظومة علاقات دولية جديدة تقوم على العدالة والاعتراف بحقوق الشعوب بملكية مقدراتها وثرواتها.. وفى الحالة المصرية تأتى «قناة السويس فى مقدمة هذه الحقوق».. كيف؟.. يجيب القانونى الكبير «مصطفى الحفناوى».

(2)

«مصطفى الحفناوى.. المواطن: العالم الفاعل»

بدايةً، كثير من المصريين وهبوا حياتهم من أجل القضايا الوطنية المصرية الكبرى، ومن ضمن هؤلاء يأتى «مصطفى الحفناوى» (1911 ـ 1980) فى مقدمتهم. فلقد «عاش حياته مكافحا من أجل استعادة مصر لقناة السويس استعادة قانونية خالصة بحيث لا يبقى فى مصر محتل عسكرى أو اقتصادى»، (بحسب د. على الحفناوى فى تقديمه لمذكرات والده الدكتور مصطفى الحفناوى التى قام بجمعها ونشرها عن دار ميريت عام 2019).. لم تكن قناة السويس بالنسبة للدكتور مصطفى الحفناوى مجرد «مرفق حيوى مهم سواء لمصر أو للعالم».. وإنما كان يعى جيدا كيف أن: «قناة السويس هى قضية مصر، بل قضية الصراع بين الشرق والغرب، منذ أن وجد الغرب سبيله إلى خزائن الشرق، وهى قطب الرحى فى كل برنامج استعمارى تضعه لنفسها دولة، أيا كانت، ولذلك كانت وثيقة الصلة بجميع الحروب العالمية التى نشبت، وبتطورات العالم فى ميادين السياسة والاقتصاد.

والقناة ملك لمصر».. ومن ثم يترتب على ذلك أمران هما: «الأول هو ملكية القناة والسيادة عليها؛ ولا جدال فى القانون أن مصر لا شريك لها فى هذه الملكية وتلك السيادة، والثانى هو وظائف القناة؛ وأنها لمرفق ينتفع به فى خدمة الملاحة العالمية، وينبغى بأى حال ألا تغير الوظيفة وضعا قانونيا للبلد الذى تجرى فيه القناة، ولا أن تقيد حقوق هذا البلد وسيادته على القناة». وفى ضوء هذه القناعة، أنجز «الحفناوى» موسوعته (3000 صفحة) المعنونة بـ«قناة السويس.. تاريخها وأصول مشكلاتها المعاصرة»؛ وذلك فى 4 أجزاء بالإضافة إلى جزء وثائقى من القطع الكبير فى خمسينيات القرن الماضى (كانت فى الأصل رسالة علمية قدمها إلى كلية الحقوق بجامعة باريس، حيث قارب مسألة قناة السويس من منظور القانون الدولى العام وتمت إجازتها فى 1951).

كانت عناوين الأجزاء الأربعة ـ التى تناقش عشرات الموضوعات المتعددة والمتشعبة والألفية الصفحات ـ تتناول ما يلى: الجزء الأول: تاريخ القناة وأصول مشكلاتها المعاصرة (450 صفحة)، الجزء الثانى: النزاع المصرى البريطانى (ما يقرب من 600 صفحة)، الجزء الثالث: حرية الملاحة فى القناة (ما يقرب من 700 صفحة)، الجزء الرابع: الإدارة والاستغلال (700 صفحة)، (إضافة لملحق وثائقى).. وبالرغم مما تعرض له من محن شخصية وتحديات حياتية إلا أنه ظل وفيا لقضية قناة السويس، يناضل من أجل قضيتى ملكيتها واستقلالها فى داخل وخارج مصر.. ونجح فى أن تكون المعرفة الأكاديمية فى خدمة السياسة والمصالح القومية العليا لمصر مقدما نموذجا مقدرا ومعتبرا للمواطن: العالم؛ الذى يؤثر الخير العام والصالح الوطنى ويوظف علمه لمصلحة وطنه ومواطنيه.

(3)

«الحفناوى: الشريك»

لذا كان «الحفناوىي» شريكًا رئيسيًا فى قرار التأميم بالمشورة والأسانيد العلمية: القانونية والتاريخية والسياسية.. ولم يجد «ناصر» واحدًا من «أهل الذكر» كى يعينه فى قرار التأميم التاريخى سوى «مصطفى الحفناوى».. فكلفه بصياغة القرار الجمهورى الخاص بتأميم القناة - تكريما له ـ وسبق هذه المهمة التاريخية حوار ممتد ييسر تبسيط القضية للمواطنين: تاريخيًا، وقانونيًا، واقتصاديًا.. وعمل ليلتين لإنجاز مهمة تاريخية منحها عمره.. فكان من ناصر«أن قال له: أنت الآن جزء من تاريخنا، وبعلمك وجهدك الضخم نؤمم الشركة ونحرر القناة».. ويتم استرداد أموال مصر المنهوبة لصالح القوى الاستعمارية ومجمع البترول فى الشرق الأوسط.. تحية لقامة وطنية وعلمية عظيمة


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern