(1) عودة شريهان
عادت الفنانة «شريهان»، بعد غياب طويل، لتجسد شخصية مصممة الأزياء العالمية «كوكو شانيل» (1883- 1971)، من خلال عرض راقص تعبيرى غاية فى الرقى، تواصل به مسيرة هذا الفن الذى تناوب الإبداع فيه بالتوازى، من جهة، مؤسسيا، كل من مدرسة الباليه المصرى العريقة التى تأسست مع مشروع الثقافة المصرى فى نهاية الخمسينيات من القرن الماضى ومعها فرقة رضا.
ومن جهة أخرى، نجمات كان لهن بصمات مميزة فى هذا المقام هن: سامية جمال، ونعيمة عاكف، وفريدة فهمى، وماجدة صالح.. لم تعد «شريهان» إلى الفن بشكل نمطى أو فى مساحة غير التى أتقنتها وحاولت أن تطور فيها، وإنما جاءت لتستكمل ما بدأته فى فوازير «حاجات ومحتاجات» التى عرضت فى مطلع عام 1993، وأظنها كانت نقلة نوعية على كل المستويات-آنذاك- فى مجالات: التعبير الراقص الذى قام بتصميمه «عاطف عوض»، والكلمات والأشعار التى كتبها العزيز جدا شاعر العامية العبقرى الراحل «عم سيد حجاب»، وموسيقى «مودى الإمام.. عادت شريهان فى عرض راقص يواكب جديد العصر فى هذا المجال.. كيف؟.
(2) دراما راقصة إنسانية ممتعة
نحن أمام دراما راقصة وغنائية متحررة- بحساب- من التثاقل الذى عهدناه فى العروض التى تصف نفسها بالموسيقية: الراقصة/ الغنائية، التقليدية التجارية فى الأغلب والتى سادت لعقود. حيث يكثر الكلام المُفرط فى التفاصيل الشارحة من خلال مشاهد تمثيلية- تتراوح جودتها- يتخللها القليل من الحركة الموسيقية الراقصة والوصلات الغنائية الفردية والجماعية. نحن أمام عرض رشيق يتكون من لوحات درامية متتالية يتم تجسيدها بالرقص، أساسا، الذى يصاحبه الغناء فى عدد من هذه اللوحات، تربط فيها جمل حوارية قليلة جدا بين مسار الأحداث. ويكاد يقترب العرض من عروض الرقص الحديث التى تعيد الباليهات الكلاسيكية المستلهمة من أعمال أدبية أو مستوحاة من أحداث وسير تاريخية فى إطار حديث وتقنيات عرض سينمائية ومسرحية حديثة ورقمية متجددة مثل: «دون كيشوت» لسرفانتس التى ألهمت كثيرا من الموسيقيين، و«سبارتاكوس» لآرام خاتشادوريان، و«روميو وجولييت» التى ألفها شكسبير ووضع موسيقاها بروكوفييف... إلخ. كذلك الباليهات المعاصرة التى يبدعها مبدعون من جيل ما بعد الحداثة والتى تتناول قضايا إنسانية مشتركة، من خلال معالجات مبتكرة من ضمنها الباليهات التعبيرية الراقصة المحدثة.. ما جعل هذه الإبداعات تتجاوز بيئاتها المختلفة إلى الفضاء الإنسانى العالمى.
لذا سوف يشعر المرء عند مشاهدته مثلا عرض «روميو وجولييت» (للكوريوجرافر- مصمم الرقصات البارع والمبتكر من خلال تزاوج الحركة والموسيقى فى عمل تشكيلات تروى الأحداث، وتدفع المشاهد أن يطلق خياله كيفما أراد- الإسبانى الشاب جويو مونتيرا) بتحرره من السياق التاريخى وإعادة مناقشة عقدة النص المسرحى «الشكسبيرى» مناقشة معاصرة.. فى هذا الإطار، جسد فريق عمل «كوكو شانيل» سيرة حياة شخصية تحفل حياتها بالكثير مما يمكن أن يقدم للمشاهدين المعاصرين- فى أنحاء العالم- كونها من الشخصيات المؤثرة فى القرن المنصرم.. فكانت قصة حياتها مادة لكثير من المبدعين العالميين المعتبرين: مسرحيا فى برودواى عام 1969، وسينمائيا وتليفزيونيا أعوام 1981 و2008 و2009 و2015.. فمنهم من عالجها من منظور كونها امرأة: إنسانة انتصرت على الفقر والألم والظلم والهجر والنفى، ما مكن «كوكو» أن تبدع وأن تكتسب خبرات زودتها بالحكمة والفهم فى اكتشاف ذاتها والعالم والرجال.. ومعالجة عرضنا «لكوكو» من منظور نسوى فى عرض أقرب للعروض الراقصة المعاصرة منه للمسرح الغنائى.
(3) كوكو شانيل إبداع مصرى يواجه المهرجانات
أما عن شريهان فلقد تفوقت على نفسها فى عرض «كوكو شانيل»، فبالرغم من الغياب الطويل إلا أنك تجدها فى كامل لياقتها ورشاقتها حيث بلغت ذروة التفوق التعبيرى فى رقصة المنفى. كذلك أبدعت فى لوحة الختام الذى حمل كلاما محفزا من خلال المزج بين أكثر من لون راقص: قومى وعالمى بانسجام دون خصام.. وصنع تشكيلات مبهرة من خلال ماكينات الخياطة وأجسام الراقصين لتكوين العلامة المميزة لـ«كوكو شانيل».. تحية لفريق العمل: مجموعة العدل بعناصرها المبدعة، والباجورى، وإيهاب عبد الواحد، وفهد، وأحمد المرسى، ومحمد عطية، وأحمد حافظ، الذى يأتى فى وقته تماما عله يصد عنا هجمة «المهرجانات».