يوميات كامل الشناوى

(1) «كامل المعانى»

أميل في الإجازات الطويلة لقراءة السير الذاتية أو الأعمال الإبداعية لأحد المبدعين. وعندما بدأت البحث عن الشخصية التي سترافقنى في هذه الإجازة التي بدأت ــ عمليًا ــ منذ مساء الخميس الماضى، عدت إلى الكتب التي تنتظر القراءة وتدخل تحت التصنيف المذكور... ووجدتنى، دون تردد، أسحب مجلد «يوميات كامل الشناوى»؛ من ضمن عديد الكتب، ولا أعرف بدقة ما السبب... وبعد أربعة أيام من القراءة المتواصلة أستطيع القول إننى وفقت جدًا في اختيارى، ما دفعنى لأن أشاركم المتعة بالكتابة (صباح الإثنين وقت كتابة المقال) عن هذا العمل الفكرى والإنسانى النبيل والجميل من إبداع الصحفى والكاتب والشاعر الأستاذ كامل الشناوى: بمشاعره، وظرفه، وحبه للحياة، ومهنيته الصحفية الراقية، وحديثه الذي لا يُمل، وشياكته وأناقته، وموهبته الشعرية الرقيقة،...

فيصح أن نطلق عليه «كامل المعانى» الإنسانية... وأذكر في هذا المقام، ما قاله عنه أنيس منصور: «ما أن تعرف كامل الشناوى، فكأنك عرفته طول حياتك... هو الذي يختصر المسافة ويدخل في حياتك... في عقلك وقلبك... فإذا به جزء منك وأنت جزء منه... هو ضرورى لك، وأنت ضرورى له... هو يعطيك هذا الإحساس... ومع كامل الشناوى لا تملك إلا أن تحبه جدًا أو تحبه بحساب... أو تحبه على حذر... ولكن أنت تحبه... أما حبه لك فهو جاهز موجود دائمًا... سواء عرفته يومًا أو ألف يوم»...

(2) «ما اليوميات إلا علاقة حب»

«يوميات كامل الشناوى»، مجلد صدر في 2020، يقع في 550 صفحة (إصدار دار الكرمة) من تحرير وإعداد الأستاذة رحاب خالد التي قامت بجهد كبير استغرق سنوات لجمع مقالاته التي كتبها في أكثر من دورية من تلك الدوريات التي تعاقب «الشناوى» على العمل فيها. وبالأخير استطاعت أن تجمع ثروة لا تُقدر بمال من مقالات نشرت خلال الفترة من 1946 إلى 1965 في باب عنوانه «اليوميات» بقلم كامل الشناوى (1908 ــ 1965)... وقد ضمت، بحسب مقدمة المحررة، «تسجيلا لخواطره العاطفية وأفكاره وما يشهده في أيامه، وتظهر فيه مصر بشوارعها وناسها في الخمسينيات والستينيات»،... تأخذك اليوميات إلى سياحة في عمق النفس البشرية وتجليات مشاعرها في علاقاتها مع الآخرين... فتدرك كم كانت ثرية ودقيقة وشارحة وتشريحية... وإن بحثنا عن السبب تشير الأستاذة «رحاب خالد» إلى أن الإجابة عند «الشناوى» نفسه الذي يرى اليوميات كما يلى: «عندما أكتب اليوميات أحس أنى أخاطب صديقًا أحبه ويحبنى. فأنا أبثه شكواى، وأعرض عليه مشكلاتى، وأسرد له أهم ما صادفنى في يومى، وأكون معه كما أنا، لا كما ينبغى أن أكون.

فهو يرانى ضاحكًا وعابسًا، يحس يأسى ورجائى، يشعر بقوتى وضعفى... كان الشناوى يعتمد على الشفافية التامة أمام أحبائه من القراء... شفافية قائمة على فهم دقيق للواقع وتقديمه بكل صدق وإنسانية كواحد من الناس»... لذا تعكس اليوميات الكثير والكثير من تشريح للمشاعر النفسية وشرح لطبيعة العلاقات الإنسانية والتأملات الفلسفية وتقييم دقيق للأشخاص والأعمال والأحداث... كذلك تعليقه على ما كانت تعج به مصر من أحداث اجتماعية وسياسية وثقافية وفنيةـ على مدى عقدين من الزمان- ومقاربتها من خلال لقطات تتسم بأفكار غاية في الألمعية وبراعة تحليلية ولغة حديثة ذات معنى يصل للناس بسلاسة...

(3) «عمر قصير وحياة حافلة بالإبداع»

عاش «كامل الشناوى» حياة قصيرة، كان حاضرًا بحيويته الإبداعية في مجالات الصحافة والكتابة الدورية والشعر... وإذا كان شعره الذي غنته أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم ونجاة قد ضمن استمرارية حضوره... فيقينى أن قراءة «يوميات كامل الشناوى» ستضاعف من حضوره في وجدان وعقل المصريين، لما تضمنته من ثراء فكرى وإنسانى... ما سيصعب معه- بحسب العقاد- «تحديد مكانه في التاريخ الفكرى المعاصر: هل كان صحفيًا أم شاعرًا أم كان فنانًا؟»، أم كاتبًا من طراز رفيع... فلقد كان «كامل الشناوى» كل هذا في حياة حافلة بالعطاء... بالرغم من أنها- حياته- «مرت سريعًا كمر النسيم»... تحية للأستاذة رحاب خالد على هذا الجهد في إحياء رموز الإبداع المصرى.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern