(1) «المصنع والملعب»
يقدم لنا مسلسل «اللعبة الإنجليزية» الذى أنتجته «نتفليكس» عام 2020 فى ست حلقات قصة حقيقية مزدوجة الخط الدرامى.. فمن جهة عرض للصراع الضارى الذى كان يدور بين عمال النسيج وبين أصحاب المصانع الذين لم يكن يهمهم إلا الحفاظ على أرباحهم ومستوياتهم المعيشية مرتفعة بغض النظر عن تدهور أحوال العمال الاجتماعية والصحية والبيئية... إلخ، هكذا كان «حال الطبقة العاملة فى إنجلترا»، بحسب كتاب «إنجلز» الشهير.. ومن جهة أخرى، جسد المسلسل هذا الصراع عمليا من خلال لعبة كرة القدم.. فلقد عانت الطبقة العمالية فى كل من: المصنع والملعب.. فكما كانت «لندن» هى مركز الطبقة الأرستقراطية والطبقة البرجوازية الصناعية والبنوك، والتى من حقها تحديد السياسات الخاصة باقتصاديات الصناعات المختلفة فيما يتعلق بالأجور
وساعات العمل وغير ذلك، كانت أيضا موقع الاتحاد الإنجليزى لكرة القدم الذى كان يديره مجلس إدارة من أبناء الطبقات العليا، حصرا، حيث كانوا يرون أن اللعبة لعبتهم وأن التنافس لابد أن يكون بين الأغنياء فقط.. وفى الحالتين كانت لندن عبر طبقتها العليا تضع قواعد اللعبتين: الصناعية والكروية، فيما يصب فى مصالحها دون النظر فى حق الطبقة العاملة أن تناقش ما يتعلق بحقوقها العمالية المختلفة، كذلك حق ممارسة كرة القدم.
(2) «دراما الصراع الطبقى واستحالة التنافس الرياضى»
نجحت، مع مرور الوقت، المصانع الطرفية- البعيدة عن لندن- خاصة تلك المملوكة لأشخاص مكافحين كانوا عمالا وتمكنوا من إقامة مصانع صغيرة، فى تكوين فرق كروية تلعب باسم هذه المصانع. ولكن نظرا لأن العمال كانوا يعيشون فى ظروف صعبة لا تمكنهم من ممارسة كرة القدم بشكل منتظم مثل أبناء الطبقات العليا فإنهم يقدرون على منافستهم.. فظلت كأس إنجلترا حكرا على فرق الطبقات العليا.. وهكذا كانت كرة القدم أحد تجليات الصراع الطبقى فى إنجلترا الصناعية فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر.. وكانت نقطة التحول التاريخية عندما بدأ أحد أصحاب المصانع الطرفية تقليدا جديدا بتقديم رواتب للاعبى الكرة لتشجيعهم على الانتظام فى اللعب، خاصة مع ساعات العمل الممتدة يوميا على مدى ستة أيام فى الأسبوع. فى هذا السياق، تمكن فريق بلاكبيرن، بلانكشاير/ إنجلترا، من أن يتقدم فى المسابقة الرسمية للاتحاد الإنجليزى المعروفة باسم بطولة: الـFA Cup، وهى مسابقة مفتوحة لأى فريق.
إلا أن الفرق التى كانت قادرة على الصمود والتنافس- فعليا- هى فرق الأغنياء. ولكن استطاع فريق بلاكبيرن، مع توفر المال اللازم وتشجيع الفقراء، أن يصل إلى نهائى البطولة. فى هذه اللحظة انتفض الاتحاد الإنجليزى واجتمع أعضاء مجلس إدارته من أبناء الطبقة العليا لطرد فريق بلاكبيرن.. ذلك لأنه «لا يمكن تحت أى ظرف التنازل عن كرة القدم للطبقة العاملة»، بحسب ما جاء على لسان أحد أعضاء اتحاد أغنياء الكرة.. ومن ثم الحيلولة دون إتاحة الفرصة للجميع للتنافس الرياضى لتصبح كرة القدم حكرا على الأغنياء.. هذا الموقف المتعنت كان يوازيه، فى نفس الوقت، تعنت من قبل أصحاب المصانع الذين كانوا يخفضون من أجور العمال ويزيدون من ساعات العمل.. وهكذا كانت الطبقة العاملة تعانى الحرمان من التنافس الرياضى من ناحية، والظلم الاجتماعى من الناحية الأخرى.
(3) «كرة القدم: شراكة»
ناضلت الطبقة العمالية للحصول على حقوقها بأبعادها المختلفة من خلال عملية نضالية ممتدة وثقها فى كتابه العمدة فى هذا المقام المؤرخ الإنجليزى «إدوارد تومسون» (1924 ــ 1993) «The Making of the English Working Class»، (الصادر عام 1966)، حيث أشار إلى أنها طبقة استطاعت أن تفرض نفسها، وأن تصنع كينونتها من خلال عملية نضالية نشطة وحية.. واستطاع المسلسل أن يقدم هذه العملية النضالية بوجهيها: أولا: الحقوقى العمالى من خلال الإضرابات والتنظيم النقابى... إلخ. ثانيا: الحقوقى الرياضى بالإصرار على حق التنافس. وبالأخير استطاع العمال- بقيادة أحد عمال النسيج وأهم لاعب ببلاكبيرن اسمه «فيرجسون سوتر» بالاشتراك مع «أرثر كينيريد» أحد الأثرياء الذين تعاطفوا مع الطبقة العاملة- الحصول على حقوقهم بضرورة أن تكون «كرة القدم شراكة بين الجميع».. «اللعبة الإنجليزية» دراما ممتعة وبسيطة وعميقة تلقى الضوء على المجتمع الإنجليزى فى نهاية القرن الـ19.