«إريكسين» والسبعة الكبار!

«لحظة تضامن إنسانية تاريخية كونية»

تزامنت إقامة مباراة الدانمارك وفنلندا، الأسبوع الماضى بكوبنهاجن فى إطار بطولة الأمم الأوروبية، المؤجلة من السنة الماضية بسبب الجائحة الفيروسية، مع فعاليات مؤتمر الدول السبع الصناعية الكبرى التى أُقيمت بإنجلترا.. قد يتساءل القارئ الكريم: ما العلاقة بين الحدثين؟.. واقع الحال أنه لا توجد فى العموم علاقة مباشرة، إلا أن ما جرى فى الدقيقة 42 من عمر المباراة قد لخص بعمق وبلاغة تامتين حال العالم الذى نعيش فيه.. فجأة وقع، مغشيًا عليه، اللاعب الدانماركى الأشهر «إريكسين»، الذى كان يلعب لسنوات فى الدورى الإنجليزى- الدورى الأشهر فى العالم- من خلال نادى «توتنهام هوتسبير» قبل أن ينتقل فى الموسم الماضى إلى نادى إنتر ميلان الإيطالى.. لم يقع «إريكسين» بسبب احتكاك مع أحد اللاعبين أو نتيجة إصابة عضلية مفاجئة- أو أى من إصابات الملاعب المعروفة-

وإنما وقع منكفئًا على وجهه بسبب أزمة قلبية مفاجئة.

وعلى الفور تحرك الجميع وفق منظومة ثلاثية المستويات تتكون من: أولًا: العلم. وثانيًا: المسؤولية. وثالثًا: النظام الدقيق.. انطلقت المنظومة تعمل بطاقة مفعمة بالأمل وحب الحياة.. ونظرًا لأن المباراة كانت تُبث على الهواء مباشرة، سرعان ما توحدت الإنسانية عبر وسائل الاتصال الاجتماعية المتنوعة لتعبر عن تضامنها مع اللاعب، وتدعو له وتطالبه بالصمود.. وبالرغم من مأساوية المشهد، فلقد تأكد أن الحسم والصرامة والعقلانية، إضافة إلى التوحد الإنسانى- العابر للخلافات- إذا ما امتزجت بـ«محبة الحياة»، أكرم صفة حُبِىَ بها الإنسان- كما يقول عالِم النفس الألمانى الأمريكى إيريك فروم (1900ـ 1980)- تعنى أن الإنسانية تسير فى الطريق الصحيح بعيدًا عن أَسْر التفاؤل الكسول والتشاؤم اليائس فى مواجهة الواقع مهما كان مؤلمًا..

(2)

«السبعة الصغار»

فى المقابل، وفى نفس الوقت تقريبًا، كان مشهد اجتماع قادة الدول السبع الصناعية بائسًا.. فلقد اجتمعوا بعد انقطاع سنتين فى أحد الأماكن الساحلية بإنجلترا، فى ظل احتجاجات شعبية تدين حكومات هذه الدول بسبب تقصيرها فى التعاطى مع الإشكاليات الحقيقية التى تهدد مستقبل العالم من: تغيرات مناخية مدمرة للكوكب، وانتهاكات بيئية، ولامساواة تاريخية بين المواطنين، وخسائر اقتصادية غير مسبوقة بفعل تداعيات الأزمة المالية العالمية من جهة والجائحة الفيروسية من جهة أخرى، وقد قُدرت هذه الخسائر بـ12 تريليون دولار.. وبدلًا من بذل الجهد فى محاولة خلق لحظة تضامن كونية لإنقاذ الكوكب- مما يتهدد مواطنيه وما قد يتعرضون له مستقبلًا من تهديدات- فإن المؤتمرين قد ركزوا جل جهدهم ضد الصين وبدرجة أقل روسيا.. وبالرغم من اتخاذهم بعض القرارات التى يبدو أنها فى صالح البشرية مثل: منح دول العالم مليار جرعة من التطعيم ضد «كوفيد 19»، واعتماد ميزانية خاصة لدعم البنية التحتية للدول الفقيرة.

فإن المتابعين للقاء أكدوا أن اللقاء ما هو إلا محاولة لتجديد دم القوة الغربية، التى التئمت مجددًا بما وصفناه بـ«الأطلسية الجديدة»، وهو ما وضح فى البيان الختامى.. فمن ضمن ما قيل بوضوح حول فكرة دعم تمويل إعادة بناء البنى التحتية للدول الفقيرة أنها لمواجهة التمدد الصينى.. كما انتقد المراقبون كيف أن الكبار لم يتطرقوا إلى فكرة العمل المشترك بين معاملهم لتوحيد ودمج الجهود فى دحر الجائحة الفيروسية.. ما دفع «كريستالينا جورجيفا» إلى التأكيد على المسؤولية الأخلاقية الملقاة على الدول الغنية فى هذا المقام.. إلا أن مراوحة الكبار حيال الجائحة، إضافة إلى ملاحظة بعض المراقبين أن اللقاء كان بمثابة إعادة إنتاج للنظام العالمى المنقسم بين معسكرين، وإن كان هذه المرة ليس بين المعسكرين الرأسمالى والاشتراكى، وإنما بين القوة الأطلسية، التى لا تزال تدافع عن الليبرالية الجديدة، وبين الشرق، قد أدتا إلى وصف اللقاء بأنه كان لقاء الصغار..

(3)

«مشهدان وموقفان»

بين مشهد التضامن الإنسانى الكونى القاعدى الشعبى الجماهيرى العابر القارات والخارج على حدود الوصاية لـ«إريكسين»، المحب للحياة والمقاوم لأى إعاقة تحُول دون استمرارية الحياة اللائقة.. ومشهد «السبعة الكبار»- تجاوزًا- الذين حرصوا على استمرار وضعية لا تخدم إلا القلة الفاشلة فى مواجهة الأخطار التى تتعرض لها البشرية.. نواصل..

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern