فى ذكرى «فلويد».. هل تغيرت أمريكا؟

«10 دقائق هزت العالم»

تحت هذا العنوان، وعلى مدى أربعة مقالات، تابعت واقعة اغتيال المواطن الأمريكى «جورج فلويد» (1973- 2020) «خنقًا»، فى أقل من 10 دقائق، 25 مايو 2020، على أيدى شرطة مدينة «مينابوليس» بولاية مينيسوتا الأمريكية.. ولكن هذه الدقائق المؤلمة دفعت العالم إلى تشكيل حركة مدنية تحت اسم: «حياة السود مهمة» «Black Lives Matter»، ونجحت الحركة فى أن تجعل من قضية الدفاع عن السود فى كل مكان قضية إنسانية وحقوقية تبنتها الملايين، لدرجة أن العديد من الفعاليات الجماهيرية فى العالم- وليس فى الولايات المتحدة الأمريكية فقط- لم تعد تبدأ إلا بعد الوقوف دقيقة على قدم واحدة وثَنْى الأخرى للتذكير بواقعة «فلويد» البشعة، التى استغرقت أقل من 10 دقائق، وكانت كافية بأن تهز ضمير الإنسانية.. ومن ثَمَّ جاءت الذكرى السنوية لاغتيال «فلويد» تحمل إدانة القضاء الأمريكى للشرطى الذى قتل «فلويد» بحكم قد يصل إلى عدة عقود.. وهو الحكم الذى اعتبره العالم نقطة تحول تاريخية..

(2)

«الآن يستطيع كل مضطهد أن يتنفس»

أجمعت ردود الأفعال على الحكم بأن عصرًا جديدًا قد دخلت فيه الحياة الأمريكية يشرعن المواجهة القانونية لما عُرف تاريخيًا بـ«العنصرية الممنهجة»، التى عرفها المجتمع الأمريكى منذ الاستقلال، والتى دارت فى «قاع المجتمع الأمريكى»- بحسب المؤرخ الأمريكى الأبرز هوارد زين (1922- 2010)، وأدت إلى «لامساواة مزمنة بين السود والبيض» على مدى 250 سنة.. وجسدها «فلويد» بصرخته: «لا أستطيع أن أتنفس» «I Can’t Breath» عندما جثم الشرطى بركبته على عنقه لتسع دقائق متواصلة، وكان من شأنها أن تحرك ضمير العالم من أجل ضمان «التنفس» للجميع وأنه ليس من حق أحد أن يحُول دون ذلك.. ما مثّل ثورة على «البنية الإثنية للعبودية» الراسخة لعهود، وتتويجًا لما أطلقنا عليه: «النضال الأسود»، الذى مارسه المضطهدون فى موجات تاريخية متعاقبة.. لم تمنع ردود الفعل الإيجابية، التى وردت على أكثر من مستوى: رئاسى ومدنى ومجتمعى، من طرح أسئلة محورية حول المستقبل، ومدى تغير أمريكا، وهل أمريكا- أصلًا- مستعدة للتغيير.. وقادرة على أن تتيح التنفس للجميع؟

(3)

«مستقبل أمريكا»

قبل أسبوعين، حاولت دورية «الإيكونوميست» (عدد 22 مايو 2021) أن تجيب عن السؤال السابق، فخصصت مقال المحرر الرئيسى، إضافة إلى ملف ثمين للإجابة عنه من زوايا عدة.. بداية طرح المحرر أفكارًا وأسئلة أولية، منها: «منذ أن قُتل فلويد، قبل سنة، كان الشعور باللاعدالة واليأس سائدًا».. و«كثيرون تساءلوا: أليس للعنصرية فى أمريكا من نهاية؟!»، و«أليست هناك حاجة إلى تغييرات؟ فما هى بالضبط؟».. يجيب المحرر بعرض للمشهد الأمريكى من زوايا اقتصادية واجتماعية وسياسية يشير فيها إلى ما يلى: «لم تزل العنصرية (العرقية) لعنة فى أمريكا.. صحيح أن انتشارها مقارنة بالتاريخ يتناقص.. إلا أن العنصرية تجذرت ورسخت فى عقول متشددة لديها قوة وسلطة واسعة تعمل بعيدًا عن قوة الحكومة».. وهى سلطة تعيد إنتاج العنصرية مجتمعيًا وثقافيًا.. لذا من ضمن الأفكار التى دارت فى الولايات المتحدة الأمريكية أُثيرت فكرة تتعلق بتنفيذ سياسات اقتصادية وسياسية واجتماعية مباشرة للسود تحقق لهم المواطنة والمساواة والعدالة.

إلا أن هذا التوجه الحكومى السياسى- الاقتصادى لا يعنى أنه سوف يمنع الآلة المجتمعية العنصرية للمتشددين من إفساده عبر الحياة اليومية بشتى الطرق.. ويدلل محرر الإيكونوميست على ما سبق بأن: «إدارة بايدن تتبنى سياسة لتخفيض الفقر بين الأطفال بنسبة 40%، ما يعنى ضمنًا أن الفقر بين الأطفال السود سوف يقل إلى النصف إذا ما اعتبرنا- بحسب ملف الإيكونوميست- أن الأمريكان الذين من أصل إفريقى- على نحو غير متناسب- يُعدون فقراء.. فإن ذلك سيُعد إنجازًا مهمًا»، وسيعمل كل المستفيدين منه على اختلافهم للدفاع عنه.. وعليه، فأى إدارة سوف تعمل لفئة بعينها مهما كانت الأسباب سوف تتضرر كثيرًا.. وسوف تعمل على إفساده جماعات الاستعلاء العنصرى.. إن بداية التغيير نحو المواطنة التامة أو ما أطلقت عليه «Full Citizenship» تكون بتبنى سياسات لصالح الجميع، ومن ضمنهم المُهمَّشون والضعفاء والمنبوذون على اختلافهم.. هذا هو المدخل لسياسات مضادة للعنصرية فاعلة.. نواصل..

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern