زركش وطريف: دراما السيد والخادم

(1) زركش وطريف: «السيد بونتيلا وخادمه ماتى» لبريخت

اهتم كثيرون بقضية اقتباس مسلسل «نجيب زاهى زركش» من عمل أجنبى دون الإعلان عن ذلك بوضوح. وقليلون هم الذين انتبهوا للمعالجة التى قام بها عبد الرحيم كمال للعمل المسرحى الإيطالى «فيلومينا»، الذى عرض لأول مرة عام 1946 من تأليف «إدواردو دى فيليبو» (1900- 1984)؛ نعم اعتمدت المعالجة التليفزيونية على الفكرة الأساسية للمسرحية الإيطالية عندما صارحت «فيلومينا»؛ الرفيقة الفقيرة للثرى المتعجرف «دومينيكو» بأن له ابنا منها من الأبناء الثلاثة الذين أنجبتهم... وظلا فى المسرحية وفى الفيلم- الذى أخرجه فيتوريو دى سيكا عام 1964 عن المسرحية بعنوان

«الزواج على الطريقة الإيطالية» هما قطبى الدراما، حيث فى مقابل أنها خدمته دون زواج لمدة طويلة كذلك خدمت أمه، فعليه أن يقبل أبوة الأولاد الثلاثة معا لأن معرفته بهوية ابنه سوف تخلق عداوة له من قبل إخوته من الأم. بينما فى المعالجة التليفزيونية ماتت «فيلومينا» أو «شفيقة» بعد أن اعترفت له بالحقيقة وتركت الثرى «زركش» (الفخرانى) مقابل خادمه «طريف» (محمد محمود)، هما محورا الدراما الرئيسية طوال حلقات المسلسل المصرى حيث يبحثان معا عن الابن.

كما أعطى الخادم دورا محوريا سواء: بلعب دور الراوى الكاشف عن تاريخ العائلة وتطور الأحداث، وحواراته مع سيده، والتى يمكن تصنيفها إلى نوعين هما: الحوارات الصباحية حيث يكون السيد فى وعيه فتكون العلاقات الطبقية والاجتماعية حاضرة ومحددة بينهما. والحوارات الليلية: وفيها يكون الخادم سميرا ونديما للسيد كأصدقاء «فُترفع فيه التناقضات الاجتماعية». وهنا تصبح الدراما التليفزيونية أقرب لعمل المؤلف الألمانى العظيم «برتولد بريخت» (1898- 1956) «السيد بونتيلا وخادمه ماتى» (كتبت عام 1940).. والتى انعكست على أحداث وعلاقات المسلسل

(2) قضايا كثيرة فى مشاهد متلاحقة

وحسنا فعل «عبد الرحيم كمال»؛ وذلك لأن القضايا التى انشغلت بها «جوازة طليانى»، بحسب الترجمة العربية، كانت تدور حول معانى: الأبوة، والبنوة، والأسرة، والحب، والتضحية، وحدود المتعة الشخصية،...، إلخ، بينما فى العمل التليفزيونى فلقد سار على نهج عمل «بريخت» فى التعاطى مع قضايا أكثر عمقا، فى شكل مشاهد منفصلة متلاحقة عل النمط البريختى. من هذه القضايا نشير إلى: الثروة، والسعادة، والمسافات بين طبقات الجسم الاجتماعى، والسلطة، وحالة التنشئة والتربية الأسرية والمؤسسية، ووضعية الثقافة والمثقفين، وحالة الفن والفنانين، والحرية، والعلاقات الاجتماعية، والخيارات الإنسانية فى ظل مجتمع لا يقبل التمرد على بناه التى يظن أنها مستقرة، العديد من التناقضات الاجتماعية والطبقية بين عالم القصر والعديد من العوالم خارجه: عالم السطوح، وعالم المثقفين، وعالم الملجأ، وعالم الحارة، وعالم البلطجة، وعالم فتيات الليل، وعالم النشر والسينما، وعالم الاستثمار التجارى، وعالم أصحاب المهن (صديقا الثرى الطبيب وأستاذ الجامعة)، وعالم الفرافير المنسحقين (النديمان فى البار الشعبى سعيد الصالح وياسر الطوبجى)، وعوالم متنوعة تعبر عن أصحاب النفوذ، كالبرلمانى، ورجل الأعمال، وعالم الدين يضحون من أجل الآخرين كأسرة سعد نصار، والسيدة التى ضحت من أجل أسرتها دون مقابل،... إلخ، إلا أن هذه التناقضات لم تفلح فى إعادة تشكيل ذاتية جديدة «لزركش» إذا ما استعرنا نظرية عالم النفس «جاك لاكان» (1901ـ 1981) حول تشكل الذات.

(3) نهايات سعيدة وهمية

نعم قدمت الشخصيات بعضًا من التنازلات ولكن فى حدود بقاء الأمر الواقع كما هو. فها هو الابن الأديب المبدع يترك حياة السطوح ويأخذ مكانه فى القصر. ويستطيع أن ينشر روايته الأولى. وتحبه ابنة خالته التى كانت تحاول اكتشاف عوالم ابن خالتها وشقيقيه (الابنان المحتملان قبل اختبار الدى إن إيه). ونشير إلى أن عودة الابن جاءت نتيجة خدعة من الأب الذى استمر فى مواعدة فتاة الليل «ليال» (نهى عابدين).. وظل الخادم فى هذا الإطار- المعالجة المصرية التليفزيونية- يحلم بالارتباط بشيرين هانم أخت زركش (والتى قامت بها أنوشكا بامتياز)، وأن ينعم بشراكة ما فى ثروة وقصر «زركش». وهى مقاربة مغايرة تماما لرفض خادم بريخت الزواج من ابنة سيده حيث إنه يعرف حقوقه وواجباته وكان ساعيا للتغيير. لذا جاءت النهاية السعيدة الوهمية لتتسق مع واقع اجتماعى لا يقبل فيه السيد أن يتغير بسهولة.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern